إنها رؤية "الرؤية"‎

أنيسة الهوتية

شعُرت بالحنين لارتشاف القهوة والتلذذ بمرارتها، وقررت في ذلك اليوم أن أرمي مسألة نقص الحديد وراء ظهري، والتماس العُذر من دمي لأجل مزاجي الذي كاد أن يتعكر صفوه مع ضغوطات العمل والمسؤوليات اليومية الروتينية، والتي أردت أن أنعشها بكوب قهوة سوداء بلا سكر ولا حليب، وآخذ لنفسي استراحة محارب قصيرة.

وبمجرد ما أن فتحت علبة القهوة انتشيت بتلك الرائحة الحنونة التي تمتلك القلوب، وما إن أضفت إليها الماء الساخن وإلا بها قد تملكت مشاعري وأثارت شغف الحب القديم الذي تخليت عنه، إلا أنه لا يزال يسري في عروقي غراماً لتلك الرشفات السوداء التي تتخلل خلايا الدماغ وتجعله يطرب دون طرب.

فأخذتُ كوبي الذي يحتوي مشاعر العيد المفتقد، وذهبت إلى مكتبي كي أعيش لحظات سعادة مع تلك السوداء الجميلة بمرارتها، وما إنَّ جلست على كُرسيي وإذا بهاتفي يرن من رقم شخص عزيز علي! ولم يطاوعني قلبي على عدم الرد، حتى وإن كانت المحادثة ستسلبني دقائق من السعادة المنتظرة، ولكن لا بأس سعادةٌ بسعادة ولا خسارة في تلك المبادلة.

وكانت المحادثة قصيرة جدًّا لم تتعدَّ الخمس دقائق، إلا أنها جلبت إلى حياتي نكهة جديدة بالدخول إلى أُفقٍ مختلف بتحدٍّ من نوعٍ آخر في مجال لطالما عشقت محتواه بكل فئاته المختلفة.. وتلك الدقائق الخمس أضافت لذة مضاعفة إلى قهوتي وردتني إلى الإدمان.

واليوم مضى عامان على تلك الذكرى المتفردة بجمالها، وأرخ التاريخ إنجازين على ذلك التحدي الذي أتى به الاتصال القصير متتبعا باجتماعات وأعمال كثيرة انتهت في موسمين جميلين من مواسم جائزة الرؤية لمبادرات الشباب، التي احتضن إنجازات الأشخاص ذوي الإعاقة مجالٌ من مجالاتها بثلاث فئات لتوسيع نطاق التميز.

وجوائز المبادرات الشبابية قليلة جدا في عالمنا العربي، وعددها الذي لا يكاد يتعدى أصابع اليد هنا وهناك تحتضنها جهات ومؤسسات حكومية، والتي أيضا يندر فيها وجود إنجازات الأشخاص ذوي الإعاقة! إلا أن جريدة "الرؤية" كمؤسسة إعلامية غير حكومية مع توجهها لتسليط الضوء على شباب الوطن ونجاحها في كل نسخة من نسخ جائزتها أظهرت اهتمامها الكبير بمستقبل هذا البلد، واحتضان إنجازات شبابها التي لا تنتهي بتتويجهم بل بإرشادهم إلى فتح مشاريع من مبادراتهم الفكرية والثقافية التي تفيد الوطن والمواطن.

و"جائزة الرؤية لمبادرات الشباب" بذاتها مبادرة من جريدة "الرؤية" تثبت لنا أن سياسة الجريدة تتعدى المتطلب العام للإعلام الورقي، مترفعةً إلى درجة عُليا من الاهتمام الوطني بالمواطن ومستقبله إيماناً ينبع من إيمان رئيس تحريرها المكرم حاتم الطائي أن مستقبل الوطن هم شبابها ولأجل إدارة عجلة التطوير لإشراقة مستقبل أفضل للأجيال القادمة لابد من احتضان الافكار والمواهب الشبابية.

واحتفالاً بعامها العاشر، فإنني أهنئ فريق عمل "الرؤية" على مثابرتهم وعملهم المتميز والمتكلل بالنجاح دائماً، وأهنئ المكرم حاتم الطائي على رؤيته الوطنية والإنسانية التي شعرت بها في كل كلمة من كلمات خطاباته التي تواجدت حين إلقائها، والتي لم يكن يقرأها من ورقة، إنما تنبُع من قلبه ومشاعره ارتجالاً، وهو يحث الشباب على العمل والابتكار، وإشغال وقت الفراغ فيما هو مفيد وعدم الخوف من الفشل، فليس الفشل سوى بداية تحدٍّ جديد.

نعم.. إنها رؤية الرؤية السامية لأجل عُمان المستقبل.