فواصلُ قابلةٌ للانفجار

 

د. موسى رَحُوم عبَّاس | الرياض

 

بمناسبة (اليوم العالمي للغة العربية)

 

تَعلَّمتُ في الحَرْبِ

أنْ أحَافظَ على مسافةِ أمَانٍ من القَصِيدةِ

فحروفُ الجرِّ والظُّروفُ تصبحُ خطرةً فجأةً، والكسرةُ بعدها

ربَّما تحملُ حِزامًا ناسفًا!

وفي الحربِ

كنتُ أكتبُ الشِّعرَ، وأرفقه دائما بالمحتوياتِ، وطريقة ِالاستعمال،

وأحيانا أبرزُ بخطٍّ مختلفٍ الآثارَ الجانبيةَ للمُنْتَجِ

تجنُّبا للملاحقات القانونيَّة، كأنْ أكتبَ:

"أنصحُ أصحابَ القلوبِ الضَّعيفة بعدم قراءة هذا النَّص."

أو:

"قابلٌ للانفجارِ!ّ"

أو:

"لا يصلُح للاستهلاكِ الآدميِّ!"

ومع هذا يتسلَّلُ النَّاسُ إليه، يختبئون بين فواصله،

يحتمونَ من القصفِ اللَّيلي، يقرؤونه رُقْيَةً على رؤوس المَحْمُومِينَ،

يكتبون مقاطعَ منه تعويذةً لِتَضِلَّ الشَّظايا عن الرَّأسِ.

لستُ مسؤولاً عن كلِّ هذا.

حذَّرتهم، حذَّرتهم!

في الحَرْبِ

يكثرُ الانزياحُ القابلُ للاحتراقِ،

ويصبحُ النَّصُ متناصًّا مع المَوْتِ والخَرَابِ.

في الحَرْبِ

يسيلُ الدَّمُ من المَتْنِ إلى الحَاشِيَة

وربَّما انفجرتِ الصُّورةُ لتتطايرَ عناصرُها كالحَبِّ على رؤوسِ الجبالِ.

تنقرُهُ الطَّيرُ، فتفقأ عَيْنَ الفعلِ!

في السِّجنِ

أرسلتُ لابن منظور نُسْخَةً من "لسانِ العرب"

أعاده لي مقطوعًا:

غدا الكتاب أبكمَ، بكيتُ كثيرًا حينها

وكنتُ أضعُ دموعي في صُرَّة من الشِّيفون الأسودِ

 الذي تلبسُهُ أمِّي في الليالي البَاردةِ.

أحملُ الصُّرَّةَ على عاتقي في المطارات ومحطَّات الميترو.

من يومها تعلمتُ ألا أبكي كثيرًا، فلديَّ ما يكفي وَرَثتي جميعًا من الدُّموع.

في الحَرْبِ

تعلَّمتُ ألا أثِقَ في فعلٍ، ولو كانَ ماضيًا أو مُضَارعًا.

تعلَّمتُ أن أغْسِلَ الكتابَ قبلَ استعمالِه؛

تعلَّمتُ أن أُعِيدَ تنضيدِ الصَّفحاتِ وعلاماتِ التَّرقيمِ بعد كلِّ قراءةٍ.

ياه، كنتُ أظنُّ كُلَّ ذلك، وللظنِّ آثامُهُ القاتلة!

لو تعلَّمتُ حقًّا، لمَا أخطأتُ في الإملاءِ والنَّحوِ والصَّرفِ ألفَ مَرَّة!

لمَا سقطتُ في الحفرةِ أربعين مرَّة!

ولمَا لُدِغْتُ من الجُحْرِ نَفْسِهِ ألفَ عامٍ، وأكثر!

"وما الحربُ إلا ما علمتم وذقْتُمُ، وما هُوَ عنْهَا بالحديثِ المُرجَّمِ

في الحربِ القادمةِ،

رُبَّما أتعلَّمُ لغةً أخرى... رُبَّما

في الحَرْبِ القادمة!

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك