جابر العماني
من المشاكل الرئيسية التي باتت تهدد اقتصاد العالم، واستقرار المجتمعات، بل وساهمت في انتشار الفوضى في المجتمع هي مشكلة البطالة، التي امتدت خطورتها ليس فقط على حرمان أفراد المجتمع من مصادر الرزق الحلال، وإنّما حرمانهم أيضًا من المشاركة الاجتماعية في خدمة أوطانهم، وهي مشكلة نفسية، واقتصادية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية، تعني بالدرجة الأولى شريحة الشباب، فإنّ المرحلة العمرية التي يمرون بها هي مرحلة حساسة تحتاج إلى الكثير من الاعتناء والتوجيه، فمرحلة الشباب تعني النشاط والقوة والمثابرة، والاهتمام بها من قبل الحكومات والمجتمعات من الناحية التربوية، والعلمية، والثقافية، والاقتصادية، هي قضية شبابية أساسية من أجل بناء مستقبل الأوطان وحماية وازدهار وتطور الإنسان، لذا فإنّ آثار البطالة على المجتمع باتت سيئة وكارثية من خلال الإحصائيات التي تبين ازدياد معدلات الجرائم الاجتماعية، وفقدان أفراد المجتمع لمهاراتهم التي اكتسبوها، لأنّهم لا يمارسونها لعدم حصولهم على الوظائف المناسبة التي تلبي احتياجاتهم المعيشية، لذا تراجع مفهوم الانتماء والولاء للوطن؛ ذلك أنّ هناك من يوسوس له الشيطان بسبب الفراغ فيرفع صوته قائلا: إنّ الوطن الذي لا يقدم حياةً كريمةً هانئة مستقرة لأبنائه، لا يستحق الانتماء والتضحية من أجله، فتتفاقم هجرة الشباب، وتركهم للأهل والأوطان، باحثين عن العمل في دول أخرى.
كما أنّ للبطالة آثارًا سيئة على المجتمع كذلك لها آثار سيئة ووخيمة على الفرد نفسه في الأسرة والمجتمع نذكر منها الآتي:
*ازدياد الاكتئاب والأمراض النفسية لدى الشباب، والتي يصعب علاجها، إن لم تعالج في بداية ظهورها.
*الانحلال الأخلاقي وفقد القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية في الداخل الاجتماعي.
*فقدان المهارات التي اكتسبها الشباب، لأنهم أصبحوا غير قادرين على الحصول على الوظائف المناسبة لممارستها بشكل دائم.
*انعدام الثقة بالنفس وعدم المبالاة بالمستقبل.
*انعدام الثقة بين العاطلين عن العمل ومواقع العمل نفسها.
علما أن هناك دراسات علمية تقول إن العاطلين عن العمل يموتون أسرع بكثير من العاملين الذي وفقوا لخدمة مجتمعاتهم بمعدل أقل من سنة كاملة، وهذا مؤشر خطير يدل دلالة واضحة وصريحة على تعطيل الطاقات الجسدية للشباب، واتساع مشكلة الفراغ في الوطن العربي والإسلامي لاسيما بين الشباب الذين يمتلكون طاقات حيوية عظيمة وجبارة، ولكنهم لا يستطيعون الحصول على المكان المناسب لتفريغ تلك الطاقات.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إنَّ النفسَ إذا أحرزت قُوَّتها استقرَّت).
وقال حفيد النبي صلى الله عليه واله وسلم جعفر الصادق عليه السلام) إنَّ النفسَ قد تلتاثُ على صاحِبِها، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت قُوَّتها اطمأنَّت).
إنّ الإسلام اهتم اهتماما بالغا بمكافحة البطالة في المجتمع، وشجع كثيرا على تعلم الحرف، كالاهتمام بالتجارة، والزراعة، والصناعة، فقد جاء في الحديث: (إنّ الله يحب المحترف الأمين)، وشجع القرآن الكريم كثيرا على الجد والاجتهاد في طلب الرزق الحلال فقال تعالى): فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك ۱۵ وقال سبحانه وتعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ (الجمعة ۱۰.
وهنا من الواجب على الدول العربية والإسلامية التعاون الجاد من أجل محاربة البطالة والتخلص منها، والاهتمام البالغ والمسؤول بشريحة الشباب من خلال احترام طاقاتهم وإمكانياتهم عبر توفير المشاريع التجارية، والزراعية، والصناعية، التي يتم من خلالها تفريغ الطاقات الشبابية، كل بحسب قدراته وإمكانياته، فهم قادرون على تقديم الأفضل، والأجدر، والأكمل، من أجل رقي المجتمع وازدهاره، وهذا لا يكون إلا بالتخلص أو الإقلال من العمالة الوافدة التي حازت على الكثير من الوظائف والمناصب، والتي ينبغي أن تكون الأولوية فيها لشبابنا العربي فهم أولى من غيرهم في خدمة مجتمعاتهم ورقي أوطانهم.
ذلك أنّ الدول العربية تمتلك ثروات كبيرة وضخمة وتعد بعضها من أفضل وأكبر الدول إنتاجا للنفط على مستوى العالم، فمن الواجب عليها تأمين العيش الكريم، وحياة الرفاهية لمواطنيها لاسيما الشباب، ولكن مع كل الأسف فإن التقارير المحلية والدولية اليوم تصرح مؤكدة معاناة الكثير من دولنا العربية من ارتفاع نسب الفقر، وغلاء الأسعار، وتكاثر العاطلين عن العمل، مع ازدياد عجز وجود الوظائف المناسبة التي يحتاج إليها المواطن العربي، فيا ترى من المسؤول عن تفاقم البطالة في مجتمعنا العربي؟ ومن المسؤول عن الجرائم التي باتت تشكل خطرًا واضحا على المجتمع وأفراده بسبب البطالة؟.