كليات الإعلام لا تُعين تواصلنا الحكومي الحديث!

        

خالد بن زايد الخنبشي | سلطنة عمان

 

          الحقيقة المسلم بها هي أن الزمن قد تبدل، والتغيير قد طال مجالات عديدة، حتى مجال الإعلام. ففي عصرنا الحالي انخرطت شريحة كبيرة من المجتمع في منصات التواصل الاجتماعي الحديثة، فلم يعد لتلك القنوات الإعلامية التقليدية سوى القليل من المتابعين لها، وأغلبهم من كبار السن. ولأننا هنا لسنا بصدد الحديث عن حجم المستخدمين لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة، بل السؤال عن مدى تحرك كلياتنا الإعلامية في تهيئة كادر إعلامي واعٍ بالقضايا التي تخص وسائل الاتصال الحديثة، وكيفية التعامل مع القضايا المتعلقة بها.

           من المؤكد أن لإنشاء مراكز الاتصال الحكومية لدى الدول هو بحد ذاته دليل قوي يؤكد صدق هذه الحقيقة، حيث برزت هذه المراكز والدورات والورش التدريبية كردة فعل ضرورية لظهور قضايا عصرية حديثة مثل: إثارة الفتن، نشر الشائعات المزيفة والأخبار الكاذبة، والتضليل، والترويج للتطرف وكسب التعاطف العام.

             تبادر بذهني عمَّا إذا كانت كلياتنا الإعلامية في السلطنة تهيئُ كادراً إعلامياً مهتماً بهذه القضايا؟ فقمت بسؤال إحدى الشخصيات المخضرمة في الإعلام، وقال إنه في السابق كانت المناهج تهتم أكثر بتاريخ الصحافة، وأهمية الإعلام، وصوغ الأخبار الصحفية، وكان هدف الإعلام في بداية ظهــوره ترفيهياً وإخبـــارياً، ولم تكن لدينا فكرة عن موضوعات إثارة الرأي العام ونشر الشائعات والفتن والتضليل. أما اليوم! بلا شك! هناك حاجة ماسة لهذه الخِبرات.

             وقبل أن أشرع باستنتاجي قلتُ إن الموضوع يستدعي التأكد أكثر، فقمت باختيار 3 كليات تدرِّس الإعلام وتقدِّم مقررات إعلامية، فاطَّلعت على خطط طلاب الإعلام الدراسية لأرى ما إذا كانت تحتوي على مساقات تخص التعامل مع الأخبار الزائفة، أو التضليل الإعلامي، أو الترويج للتطرف، أو الطرق التي تُستخدم في كسب التعاطف العام. وفي الحقيقة، تفاجأتُ بالإجابة، حيث أن كل الخطط الدراسية كانت متشابهة، تدرِّس مقررات الإعلام التقليدية نفسها التي كانت تُدرَّس قبل أكثر من 15 عاماً، ولا تحتوي على أي من المساقات التي تخص قضايا الإعلام الحديث.

             إن الحاجة لمواكبة هذا التطور هو أمر ضروري جداً؛ حيثُ إننا بحاجة لصون الثقة المتبادلة بين المؤسسات والمواطنين من الضياع، والمحافظة على ثقة المستثمرين الراغبين في الدخول للسلطنة، وكذلك تفعيل أدوات "استماع" المؤسسات للمواطنين، وينبغي على المؤسسات الإعلامية في الدوائر الحكومية أن تقوم بشكل غير مباشر بغرس فكرة أن المؤسسة تستمع إلى نبض الشارع، تطميناً لمشكلاتهم، ووقوفاً على تحدياتهم، ورداً على تساؤلاتهم، فضلاً عن دور ذلك في تحسيـــن الأداءِ وتجويد الخدمات.

          ولأن الإعلام العصري يهتم بـصنع كادرٍ مختصٍ حتى في علم الإقنـاع والعلوم السلوكية؛ بهدف دفع الناس إلى تبني سلوكيات وقناعات معينة، مستعيناً بردود الناس الإيجابية أو السلبية، خاصةً إذا أُخذ في الاعتبار أن الناس يميلون للتحدث أكثر عندما يكونوا محبطين أو مستائين.

           لقد آن الأوان لانتقال أهداف الإعلام من طابعه الإعلامي أو الإخباري أو الترفيهي إلى تحقيقِ مساعٍ عليا أخرى، تشمل: دحض الشائعات، إيقاف مثيري الفتن، الحرص على منسوب عالٍ من الثقة المتبادلة بين المواطنين والمؤسسات والمستثمرين، وإن لم تكن الكليات والجامعات هي المسؤول الأول عن سد تلك الفجوة بين مخرجاتها وتلك القضايا، فمن إذن؟

Khalid90@outlook.com

 

تعليق عبر الفيس بوك