من الثالث إلى العاشر من ديسمبر‎

أنيسة الهوتية

قبل أسبوع من اليوم، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي بصور الاحتفاليات مع الأشخاص "ذوي الإعاقة"، وأضعها بين قوسين لأنه المُسمى الأكثر دقة في الوصف، أما ذوو الاحتياجات الخاصة فدائرتها أوسع؛ تشمل: الأطفال، الحوامل، كبار السن، المرضى، اللاجئين، النازحين، الأسر ذوي الدخل المحدود، الأيتام، المرضى النفسيين والفقراء...وغيرهم الكثير مِمَّن فعلا لديهم احتياجات خاصة متخصخصة فيهم.

وذوو الإعاقة وصف دقيق لهم؛ لأنَّ هناك ما يعيق حركتهم لإصابة عضو من أعضاء الجسم بمرض، أو بتر، أو إصابة خلايا الدماغ بضمور في حالات الشلل الدماغي، أو تشتت التركيز الذهني في حالات الإعاقات الذهنية! والكثير من التصنيفات الأخرى التي تختلف باختلاف الإصابة التي تعيق ذلك الجسد.

ونرجع إلى زحمة الثالث من ديسمبر، والتي لم أُرِد أن أكتب مقالي الثلاثائي الذي صادف ذات اليوم حتى لا أقع في دائرة الشبهة! نعم، الشبهة من حيث مَحبة ظهور بعض الشخصيات في بقعة الضوء التي ينيرها ذوو الإعاقة في يومهم الذي كُرموا به عالميًّا.

فنرى تسليط الضوء على من حضر ورعى واحتفل أكثر منه على أصحاب القضية الذين قُرر هذا اليوم لأجلهم اعترافاً بحقوقهم، وليس احتفالاً بشهادة تقدير تقدم لهم قبل وبعد وضع احتياجاتهم ومتطلباتهم في الأدراج المنسية!

فالثالث من ديسمبر مُؤرَّخ عالميًّا أنه يوم للأشخاص ذوي الإعاقة منذ العام 1992م من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ تعزيزاً لحقوقهم المتكاملة في جميع النواحي الإنسانية، وإشراكهم في العمليات التنموية لدولهم، ووضع مكانة مجتمعية لهم وتسهيل بيئتهم الحركية.

والمُعاهدة الدولية التي أقامتها الأمم المتحدة والتي اقترحتها إيطاليا والسويد عام 1987م أثمرت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإلى ديسمبر 2012م بعد دورة الألعاب البارالمبية المقامة في لندن وصل عدد الدول المتعهدة بها إلى 159 دولة.

وكل هذه الدول تحتفل بهذا اليوم المميز لهؤلاء الأشخاص المميزين بطرق مميزة، وليس بإقامة حفل عشاء يضم العشرات من الأعيان والمسؤولين وبضعة من أصحاب القضية كعدد كافٍ للظهور الإعلامي حين يتم تكريمهم بشهادات التقدير!

ويا ليتهم يفقهون بأنَّ هذا اليوم لم يُؤرخ للاحتفالات الشكلية إنما لتذكيرنا بأن بيننا أشخاصا لا يختلفون عنا في التفكير والاجتهاد والرؤى، قادرون على تلقِّي العلم وإتمام العمل للمشاركة في المسار التنموي لمجتمعاتهم.

تلك الساق المشلولة واليد المبتورة لم تمنع عقولهم من التفكير والتدبير والتخطيط لمستقبل أفضل لأوطانهم؛ وذلك الذهن المُشتت لا يمنع جسد صاحبه من العمل إذا تم إعطاؤه له بجدولة مضبوطة يحفظها ويتقيد بها، حتى أصحاب متلازمة داون سيُذهِلون العالم بإبداعهم إن فُتح لهم باب الإبداع، والمتوحدون فهُم عباقرة إلا أننا نحن من لا نستوعبهم.

والكفيف ترى في عقله كهفَ علي بابا المليء بجواهر الأفكار التجارية وإدارة الأموال، لا يكل ولا يمل، وحسه الفكاهي السياسي يجعله يتمكن من الجميع.

أما الأصم، فهو جنيُّ المصباح لا مستحيل أمامه، سيعبر البحار السبع والمحيطات كي يحقق أهدافه.. قيادي وإداري بامتياز.

والمجتمعات التي أقنعت نفسها وأقنعتهم بأنهم عالة، هي مجتمعات معاقة.. هذه الطاقات المحبوسة ليست بحاجة للعطف إنما للانطلاق. ولأنَّ اليوم العاشر من ديسمبر هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، فأنا أكتب لأجل حقوق الإنسان من ذوي الإعاقة، وأقول إنهم ليسوا عالة بل إعالة.