هاشمية المُوسويّ السيرة والمسيرة

 

ناصر أبو عون

عزيزي القاريء.. فضًّا للاشتباك، ومنعًا للالتباس أو تلبيس إبليس، وجب التنويه إلى أنّ هذه "المقالة" ليست قراءةً نقديّة، وإنما محاولة لكتابةِ سيرةٍ ذاتية متناهية في الصغر؛ وهي في الأساس موضوعة لتكون مقدمةَ كتابٍ لي يصدرُ مطلع يناير، بعنوان: (عمان وقضايا الإنسان في أدب هاشمية الموسوي)، فلا يأخذنكم شيطانُ النقد أبعد من دلالات هذه السطور.

كثيرون من العرب وغير العرب يعرفون عُمان "أقدم سلطنة على الأرض"، لكنهم يجهلون طبيعة وتكوين المواطن العُماني، ولم يَخبُروا الهُوية العُمانية عن كثب.. هذي عُمان قَدَرُ الجغرافيا، ومنطق التاريخ، وربابنة البحار، وخارطة التنوّع المذهبي والطائفي تحت سماء التسامح الواسعة، وميزان العدالة والمساواة.

هنا في عُمان في أعالي الجبال السامقة، وفي ثنايا صخورها الصامتة، وتحت ظل (سِدرة) صاهلة، وهفيف أوراق كل (سُمْرَة) ناعسة، وتساقط رذاذ الخريف في (صلالة) الشامخة، ستجد (إنسانًا) بالمعنى الماديّ والمجازيّ والانزياحيّ لمصطلح ومفردة (الإنسان) بمعناها السِّياقيّ داخل النصّ وتجردِها القاموسيّ خارجه، يسيل الكلام على شفتيه شِعرا، وتصبغ البلاغة لسانه قولا.

في هذا المُناخ المعطّر برائحة البخور واللبان العُمانيّ، في تُربة سلطنة عُمان؛ المخضوضبة بحِنَّاء التاريخ التليد، والمُتجذرة في أعماق الحضارة الإنسانية، والناشئة على التقاليد الإسلامية، والمعجونة بمنظومة القيم العُمانية الأصيلة والمتوارثة عبر أجيال لم تعرف يوما الانقطاع.

هنا في أقدم سلطنة عرفها التاريخ على وجه الأرض، نَبَتَتْ الشاعرة هاشمية الموسوي، وحَبَتْ على بِساط الكلمات، ورضعَتْ موسيقى "الخليل بن أحمد العُمانيّ (الفراهيديّ)"، وشبّت على قصائد  العلامة الشاعر "أبو مسلم البهلانيّ"، ونهلت قريحتها من شعراء جيل النهضة المباركة في سبعينيات القرن العشرين، وغمستْ سِنّ قلمها في بوتقة شعراء الثمانينيات من داخل وخارج السلطنة الأدبيّة؛ لتصير في المرحلة التالية صوتًا شعريًّا فاعلا في (المشهد الثقافي العُماني)، وعضوا ناشطا في (أسرة الكاتبات العمانيات).

كثيرون يتذكرون هاشمية الموسويّ التي وقفت في قائمة طويلة من 40 أديبا حصلوا على (المَكرُمة السامية) في "العيد الوطني الأربعين المجيد" للسلطنة، وهاشمية هي (أول امرأة عُمانية) تنالُ (جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم) على مستوى الوطن العربيّ عام1987م.

صدر لهاشمية الموسويّ أربع مجموعات شعريّة هي (إليكَ أنتَ 1993م)، و(للروحِ هُوِيَّة 2000م)، و(ثورة الزُّمرد 2004م)، و(أوراق منهزمة 2009م).. والفارق الزمني بين كل مجموعة شعريّة وأخواتها وَسَمَ كتابات الموسويّ بالنضوج في جميع العتبات الشعرية؛ لغويا وبلاغيا، وعروضيا، وتكنيكًا في بِنية القصيدة، لتخرج علينا في نهاية التطواف شاعرةً مصقولةً ومُسلَّحة بأدوات شِعريّة تجمعُ بين الحداثةِ والأصالة في نصٍّ شعريّ مُتماسك ومرصوص البنيان؛ يأخذ من القديم موسيقاه وجزالة ألفاظه، وينهل من الحديث مشهديته وسلاسته.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك