بين الالتزام والفن

 

زيد الطهراوي| الأردن

 

الزهور و الطيور و الينابيع كلها مظاهر طبيعية تجلب انتباه المبدع فيصفها شعرا أو نثرا، و قد يطول الوصف؛ فإذا غادرها انتصر شعر الحنين إليها فلبس أثواب الوصف و أضاف عليها ألوان الشوق و البكاء.

فقد تجد لشاعر أندلسي قصائد كثيرة في وصف المظاهر الطبيعية الخلابة، فكأنه متخصص في رسم التضاريس، صارف وقته في الاهتمام بها.

أما في العصر الحديث فقد كثر الكلام عن الالتزام؛ وهل واجب على المبدع الفنان أن يلتزم بقضايا أمته و وطنه،على اعتبار أن قضية الفن مفروغ منها، و أن المختلف فيه هو الالتزام فقط؟

وأجمل ما قيل في ذلك أن من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ووطنه لم يتعرض للتهميش والتهديد أو الاحتلال في أسوء الأحوال فإنه معذور في ترك الالتزم والانهماك في وصف نهر منساب أو طائر مدهش حال سكونه و تحليقه.

أما من ولد و على رأسه و رأس أبناء جلدته تنهال المتاعب؛ فهو ليس معذورا في الانسلاخ عن واقعه و واقع المحيطين به؛ والعيش في عالم آخر من الورود و الأشجار و الطيور.

هذا الالتزام حتمي ولكن المثير للانتباه هو أن الشاعر مطالب من جمهوره بأن يوضح كل ما يكتب، وهنا يحصل التصادم بين الفن والالتزام، فالشعر جمال، والوطنية جمال، وحقوق الإنسان جمال، والحث على القيم السامية جمال، وهذا كله بحاجة إلى أن يكون المتلقي واعيا لضرورة أن يبدع الشاعر في صوره ورموزه مع التزامه بقضايا أمته ووطنه وقضايا الإنسان الشاملة، فكم من قصيدة لا تحتوي على المستوى الأدنى من القيمة الفنية انتشرت بين الصغار والكبار، لأنها تتحدث عن أمر مهم كالوطن أو الظلم أو الحرب التي تشرد الضعفاء بلا ذنب. وكم من قصيدة شمخت بأدائها الفني مع التزامها ولكنها لم تنتشر بالصورة التي ذكرتها في الحالة الأولى.

تعليق عبر الفيس بوك