سعيد المقيمي.. "ليس أعظم عند الإنسان من أن يحقق غدًا مشرقا"

 

الرؤية - محمد البرمي

"إنَّ الحكومة، والشعب كالجسد الواحد؛ إذا اختلَّ عضو فيه اختلَّ الجسد كله. لذلك أدعوكم إلى العمل معًا لمستقبل بلدنا. وبعون الله سوف ننجح"، كلمات خالدة أطلقها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- في البيان التاريخي الأول إلى الشعب يوم تسلم جلالته- أبقاه الله- مقاليد الحكم في 23 يوليو 1970، ولا تزال إلى يومنا هذا وبعد 49 عاماً من النهضة الظافرة تحمل ذات القيمة ونفس المعنى، ويتجلى ذلك حين نرى مواطنين يبذلون الغالي والنفيس لبناء وطنهم، بسواعد من حديد.

تُرى لو قص عليك أحدهم أن مواطنا قرر الاستقالة من عمله، حيث الوظيفة والراتب الثابت والحياة المستقرة، ليتفرغ لشق الصخر وتحمل المصاعب أعواما كاملة، لا يقوى على تعبه إلا بشق تمرة وماء دون أن تفتر قواه، أو يشكو من التعب، وفوق ذلك يقترض 20 ألف ريال ليكمل ما كان قد قرره أن يبذل عمله وقوته من أجل الخير، في سبيل أهله ووطنه وقريته الصغيرة.

بالتأكيد، الحكاية تصيب من يتعرف عليها بالدهشة والانبهار، لكنها ليست قصة تروى من باب المبالغة، فهي حقيقة ثابتة وحية تتجسد في المواطن سعيد بن حمدان المقيمي ابن قرية الجيلة بنيابة طيوي التابعة لولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، الذي نال تقديراً مستحقاً حين حصل على أسمى جوائز العمل التطوعي؛ جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي.

البداية كانت عندما رأى المقيمي صعوبة تنقل أبناء قريته نظرا لبعد الطريق الحالي وشدة انحداراته وانقطاعه في حال نزول الأمطار؛ وقد كان الأهالي سابقا قد خاطبوا وزارة النقل والاتصالات لشق هذا الطريق المختصر ولكن لم يتم التنفيذ لعدم توفر المخصصات المالية على حسب قول المسؤولين في الوزارة.

لكن سعيد لم ينتظر حتى تتحرك الوزارة، فعزم على شق الطريق الذي يربط قران والجيلة والقرى المجاورة بمسافة 6 كيلومترات، ويختصر المسافة السابقة إلى مايقارب عشرين دقيقة، فاشترى حفاراً لشق الطريق وقام بنفسه بين الوقت والآخر بقيادته والقيام بالعمل متى توفرت الإمكانيات.

وفي تصريحات سابقة لـ"الرؤية" يقول المقيمي: "إنّ الطريق الذي يسلكه الأهالي من قرية الجيلة، بعيد ودورانه وشدة انحداراته ومخاطره، وهو ما دفعه شق الطريق مهما كلفه الأمر بعدما رأي معاناة الأهالي، وتألم لهذا المشهد فحاولت مساعدة الأهالي بأي شكل، فأطلقت مبادرة لشق الطرق في جبال نيابة طيوي بحيث يتم ربط بعض القرى ببعضها بطريقة تختصر المسافة والوقت".

في أثناء عمله واجه سعيد صعوبات بالغة فالطريق جبلية، خشنة ووعرة، بالإضافة لتعطل المعدات بين الحين والآخر، إضافة لصعوبات تتعلق بالمناخ، لكنه كان يتسلّح بالصبر والعمل المستمر والإصرار لإنجاز مشروعه.

ويتكوّن المشروع من جزئين، يبدأ بشق شق طرق داخلية تربط قرى "الجحل/‏‏ الجيلة" والآخر طريق رئيسي لقرى "الجيلة/‏‏ قران" وهذا الطريق تبلغ مسافته أكثر من 20 كيلومترا والآن أصبحت مسافته أقل من 7 كيلومترات، ولم يبق منه سوى 300 متر.

أمّا الجزء الثاني فهو طريق ثقاب-  وادي بير الذي لا يزال بحاجة إلى دعم ومساندة من قبل الجهات المعنية كون مثل هذه الأعمال تحتاج إلى أعمال تمهيدية مهمة كالقيام بالصبيات بواسطة الإسمنت لأجل انسيابية الحركة المرورية عليها أثناء هطول الأمطار وجريان الأودية، وكذلك إقامة حمايات جانبية لضمان عدم حدوث الانزلاقات.

لقد جسّد سعيد المقيمي برحلته التي شهدت كفاحا كبيرا من أجل أهله، ما قاله جلالة السلطان المعظم في الخطاب السامي إلى الشعب عبر إذاعة السلطنة يوم 09/08/1970 والتي قال فيها: "كان بالأمس ظلام؛ ولكن بعون الله غدًا سيشرق الفجر على عُمان وعلى أهلها".

يختتم سعيد المقيمي تصريحاته فيقول: "إنَّ هذا التكريم هو بمثابة الحافز المشجع لي وللآخرين لأجل الوقوف، والتعرُّف على مدى حاجة الناس وحاجة البلد إلى العديد من الخدمات. كما أنّ هذه الجوائز والمبادرات تجعل المجال مفتوحا لمن أراد أن يساهم في بناء هذا الوطن وخدمة المحتاجين من المواطنين وغيرهم".

لقد أثبت عمل سعيد المقيمي، ما قاله جلالة السلطان في خطابه بالذكرى السادسة لانطلاقة مسيرة النهضة المباركة في 23 يوليو 1976.

"المستقبل يبشر بالخير شريطة أن نبقى ثابتين في الكفاح"، وما قيل أيضًا في خطاب جلالته في العيد الوطني الخامس 18/11/1975: "ليس أعظم عند الإنسان من أن يحقق غدًا مُشرقًا".

تعليق عبر الفيس بوك