عن الإبداع وأشياء أخرى

 

د. أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج – مصر

 

عن الإبداع والجمال

لا يغيب الجمال عن الإبداع؛ فالجمال يكمن في التناسق بين أجزاء الشكل أو الصورة أو العمل الفني، والإبداع يكمن في إيجاد روابط بين الأشياء غير المترابطة بحيث تبدو الأشياء والواقع أكثر جمالا؛ فالإغراء الجمالي لا يغيب عن مخيلة المبدع.. الجمال هو العنصر المشترك بين كل الأعمال الإبداعية في مختلف المجالات.

 

عن التأمل

التأمل جزء من العملية الإبداعية، وهو عبارة عن حالة هدوء وصمت متعمد يجعل العقل يلتفت إلى الداخل، ويسلك مسارات كثيرة معظمها مؤلمة. ويساعد التأمل على تصفية الدماغ، فهو ينعش الروح ويصفيها من شواغل الحياة. وفي وسط التأمل تتفجر الصور والمشاعر فاتحة المجال بشكل أكثر شفافية وتجريدا ومفسحة المجال لتداعي الصور والأفكار البعيدة.

 

عن الخلوة

الخلوة ضرورية جدا للإبداع والمبدعين، خاصة في مرحلة (الاحتضان) في مجالات الكتابة الإبداعية والموسيقى والتأليف والرياضيات والفنون البصرية. والخلوة أو الانعزال لا تعني أن تكون وحيدا، وإنما هي حالة من العطاء يستطيع المبدع فيها أن يفكر ويعمل بحرية.. قد ينظر البعض إلى حاجة المبدعين إلى شيء من الخلوة نظرة سلبية ويفسرها على أنها انطوائية لكنها في الحقيقة ليست كذلك، وإنما هي حاجة ضرورية للمبدع كي يستطيع التركيز وفك غموض الأشياء التي تبدو محيرة أو تجميع الأفكار التي ربما بدت متناقضة.

 

عن الإلهام

كلمة الإلهام Inspiration حرفيا تعني استنشاق الهواء. وقد تحدث الكثيرون عن مصادر الإلهام (المشرق) كالحب والسفر والأحلام والأشخاص، لكنهم قليلا ما تحدثوا عن إلهام الجانب (المعتم)، ذلك الإلهام الذي يكون مصدره المآسي والموت والحوادث الغامضة.. "كي تولد فكرة لا بد أن يوجد ألم".

 

عن الارتجال

يلعب الارتجال دورا كبيرا في الإبداع، فقلما تجد مبدعا لم يمارس الارتجال في محاولاته لخلق نص أو فكرة أو قطعة موسيقية أو بيتا شعريا، ولا غرابة أن نجد أكثر الناس تحفظا في التعبير أقلهم إبداعا، فكبت الارتجال يعني كبت محاولة الإبداع في مهدها.. نصيحة لا تحرم نفسك من الارتجال، اكتب فكرة غير مكتملة، جرِّبْ رسم صورة دون أن يكون لديك فكرة عما ترسم، ارتجلْ مشاعرك وسوف تكتشف مجاهيل من مكنوناتك لم تكن لتعرفها وأنت قابع في أحد أركان ذاتك البعيدة.

 

عن المخاطرة

في بيئاتنا المحافظة، تقل لدينا الرغبة في المخاطرة، ويخضع سلوكنا لحسابات شديدة التحفظ تجعلنا نرفض المشاركة في أي عمل أو تجريب أي فكرة تحمل قدرا - وإن ضئيلا - من المخاطرة، ويزيد التخوف من المخاطرة كلما تقدم بنا العمر.. يصدق ذلك علينا في العمل والتجارة والسفر وغيرها.. ونحن نربي أبناءنا على ذلك ونمنعهم من القيام بأي عمل فيه مجازفة وإن كانت قليلة، لذلك يخرج أبناءنا مثلنا غير راغبين في أي مخاطرة أو يخشونها. وفي الغالب يعيش الأفراد غير المخاطرين في المساحات الآمنة مفضلين الأعمال والأفكارالتي تتسم بدرجة عالية من التجانس والأمن والاستقرار. هؤلاء الأفراد الذين لا يعيشون المخاطرة -في الغالب- لا يحققون طفرات أو إنجازات عالية في الحياة.. المخاطرة المعتدلة أمر جيد ومرغوب فيه. وإن كنتَ غير قادر عليها فلا تحرم أولادك منها، ولا تدعهم يعيشون في جلبابك الذي لم يعد يناسبهم، والذي ربما لم يكن يناسبك دون أن تدري.

 

 

عن تحمل الغموض

تحمل (أو التسامح مع) الغموض هي أحد أهم سمات الأشخاص المبدعين، حيث تسمح سمة تحمل الغموض للمبدع التعامل مع المشكلات غير المحددة جيدًا أو شديدة الغموض، كما تساعده على تحمل مدى واسع من الاحتمالات التي يجب أخذها في الحسبان... كثير من الأفراد عادة يميلون إلى الغلق المعرفي ولا يرتاحون للشك الذي يشكل جزءاً من عدم توفر حل جاهز للمشكلة، وقد يقودهم ذلك إلى الاكتفاء بما هو موجود وتقبل الحل الأول المناسب أو المتاح والذي يخطر على بالهم بدلا من تأجيل الأحكام والنظر في مجموعة واسعة من الخيارات. كما أن تحمل الغموض مهم للأشخاص المبدعين لكي يتحملوا أنفسهم! فهم يتميزون بخليط غريب من المتناقضات..

تحية لجميع المبدعين الذين يثرون حياتنا بتناقضاتهم وإبداعاتهم وأوهامهم الجميلة

 

 

تعليق عبر الفيس بوك