علي بن سالم كفيتان
alikafetan@gmail.com
في مِثل هذا اليوم من كل عام، يولد أمل جديد في وطني، إنه اليوم الذي أبصر فيه النور سيد عُمان وقائدها الملهم؛ فيوم الثامن عشر من نوفمبر ليس حدثا عاديًّا؛ ففي ذلك التاريخ تلقى السلطان سعيد بن تيمور -رحمه الله- خبراً سارًّا وهو في مسقط، مفاده أنَّ الله منَّ عليه بمولود في صلالة؛ فسمَّاه قابوس، وبالفعل صدق الاسم وصدقت نبوءة السلطان سعيد في ابنه؛ فقد كان القبس الذي أضاء عُمان ومنحها بريقاً طال انتظاره.
أشرقت شمس الثامن عشر من نوفمبر عام 1940 بألوان مختلفة عن غيرها من الأيام؛ فالشمس تهادت بين حقول أشجار النارجيل المتمايلة بهدوء، لتعانق ردهات قصر الحصن العامر، وحملت معها خبر سعيداً غير تاريخ عُمان إلى الأبد.. إنه ميلاد التغيير لشعب أنهكته عاديات الزمن، وتشتت في بقاع الأرض بحثاً عن لقمة العيش الكريم، شعب كابد كل صنوف الفقر والجهل والمرض، لكنه ظل يحمل أملاً قادمًا إلى هذه الدنيا؛ فقد حدثني أحد كبار السن من ظفار أنه كان يمشي على قدميه حافياً إلى منطقة الحصن في صلالة، وأمامه عالم دين يمتطي بغلة؛ فكان يسرع الخطى ليلحق بذلك العالم الذي كان يحدثه بأن عُمان ستتغير، وسيأتيها حاكم عادل، وسوف تصبح قبلة للكثيرين ممن يطلبون الرزق؛ فقال الشيخ الراجل بكل استنكار: ومن سيأتي إلى هذه المراغه؟ (الأرض المغبرة المقفرة الخالية من البناء والزرع)، وبعد ذلك يقول الشيخ: كتب الله لي أن أعيش حتى رأيت بأم عيني كل ما قاله ذلك العالم الذي توفاه الله قبل أن يتسلم مقاليد الحكم في البلاد السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- وأيقنت أنَّ توقُّع ذلك العالم كان أمل كل العُمانيين الذي تحقق.
عندما نحتفل بميلاد القائد ونهضة وطن، نرسل رسالة إلى كل شعوب الدنيا بأنَّ وطننا لم يستعمر وليس له عيد استقلال؛ لأنه ظل عصيًا على الغزاة والطامعين، بفضل من الله تعالى وببركة دعاء سيد الخلق أجمعين لعُمان وشعبها، وحصافة من توالوا على حكمها لقرون خلت؛ فعُمان ذكرها الرسول الكريم في صحبه، وأرسل إليها رسله؛ فكان العُمانيون خير من أثنا عليهم النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- فظلت الغبيراء ذلك الظل الوارف والهدوء المهيب والقلب النابض بالصدق والإيمان، وظل رسوخ أهلها مستمدًا من ثبات جبالها، وطيبتهم من نماء أفلاجها وحقولها الخضراء الوارفة، وحنكتهم في التعامل مع الشعوب من بحرها الذي امتطوه إلى كل بقاع الدنيا، وجلدهم على تحمُّل الصعاب والتحديات مستمدًا من صحرائها القاحلة ورمالها اللاهبة.
وطننا اليوم واحة ظلال ورافه بالأمن والاستقرار وسلطاننا لا يزال يرعانا بعين رحيمة، وفكر مستنير، ورؤية ثاقبة، وطموحاتنا مع جلالته تبلغ عنان السماء؛ لأننا نعلم يقيناً أنه لا يعمل إلا لأجلنا؛ فكل أيام عمره أفناها لخدمة عُمان يعاملنا جميعاً كأبناء، ويخلط الليل بالنهار لسعادتنا، ويذود عنا بفكره وحصافة رايه، قائلاً يكفي العُمانيين ما كابدوه قبلي، وقال في خطبته الأولى لتولي الحكم: "سأعمل جاهدا لتكونوا سعداء"، كان وعدا أوفى به جلالته؛ فرغم كل الأزمات السياسية والاقتصادية طوال نصف قرن، ظل وطننا واقفاً مؤمناً، واستطاع الربان أن يقود سفينته إلى الشطآن الامنة، فهل نحن متعظون؟ أم ستأخذنا صيحات الفتن إلى دواليب الخراب التي باتت تعشش في معظم الأوطان من حولنا!!! فعُمان اليوم عهدة في رقابكم أيها العُمانيون المخلصون الشرفاء، وكل أمر مهما عَظُم قابل للحل إلا التلاعب بمقدرات الوطن والعبث بمنجزاته التي فقدنا من أجلها الكثير من الأرواح الطاهرة.
رعاك الله يا وطني من كل الشرور والمحن، وأدام عليك نعمة الأمن والاستقرار، وحفظ الله سيد عُمان وباني نهضتها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وكل عام والجميع بخير.