نهضة حالمة وقائد ملهم

 

د. سيف بن مبارك بني عرابة

 

الحمدلله رب العالمين، الحمدلله على الأربعين تعقبها تسعا، والحمدلله أن قيض لنا رجلاً من جنوب عُمان جاءنا يسعى، فخطب في العالم قائلا: "سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل .. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي.. كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله سيشرق الفجر على مسقط وعمان وعلى أهلها..".

فأزاح ظلام الجهل عن الوطن، فترى ليله قد أدبر، وصبحُ العلم في أرجائه قد أسفر، فأرسى دعائم النهضة وأولى اهتمامه الأول بالإنسان العماني، موقنا بأنه الكنز الحقيقي، والثروة التي لا تنفد، حتى اعتمد أهل عمان في نهضتها على أهلها، فبنى عمان مهندسوها، وطبب مرضاها أطباؤها، وداواهم ممرضوها..

إن عُمان وإن كانت تحتفل اليوم بنهضتها العصرية الحديثة، والتي قادها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ــ حفظه الله ورعاه ــ ولمدة تسع وأربعين سنة، وحُق لها أن تحتفل وتبتهج، فإنّ هذه البلاد موغلة في القدم، متأصّلة في  عمق التأريخ، ضاربة في جذور حضارات الأرض، ويتجلى كل ذلك في المخزون الحضاري والتأريخي الذي يمتلكه شعبها، الذي طوّع النحاس فصنع منه للسلم حُليّا، وأذابه لوقت الحرب سيفاً ورمحاً، هذا العماني الذي شَقَّ صم الجبال أفلاجا، وحَوَّلَ قاحلات الأرض مسطحات خضراء، ومدرجات زراعية وحقولا..

هذا العماني الذي كيَّفَ الصحاري اليابسات فاتخذها مساكن ومراع، وتحدى عواصف البحار والمحيطات طلبا للرزق، ونشرا للحضارة العربية وللإسلام في إندونيسيا والصين شرقا، وحتى زنجبار والأندلس غربا، فليس مستغربا أن تلد قائدا كصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ــ حفظه الله ورعاه ــ بثقافته الواسعة المتنوعة، وشخصيته القيادية المتفردة، ونظرته المستقبلية الثاقبة الصائبة، فالشيء من مأتاه لا يستغرب..

إنّ هذا القائد العظيم نظر إلى واقع عُمان نظرة الحكيم المجرّب، وعاينه بعين الطبيب المُعالج، وتفحصه تفحص الجراح الحاذق، فشخّصه تشخيص من لا يخطئ،  فبعد أن تولى مقاليد الحكم وزمامه، وأحكم الأمر بقيده ولجامه، مدّ يده للبعيد قبل القريب، واحتوى الخصوم قبل الأصدقاء، فالتفّ الناس من حوله، وشدّوا أياديهم بيده، لتبدأ قصة الدولة العصرية التي أرادها، فبعد أن عمّ الأمن والسلام، وتوحد الصف وانتشر الوئام، حانت لحظة الإنطلاقة نحو المستقبل فبدأ العمل والبناء، فانتقل بالقيادة إلى طور آخر، متّبعاً منهجية علمية دقيقة، يقتفي أثرها القادة العظام، ويسير على دربها الملوك رفيعو المقام، فما فتئ يجوب ولايات السلطنة ووديانها، ويتفقد سهولها وجبالها، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة، ويشرف على كل دقيقة وجليلة، ساعياً لتأهيل الإنسان العماني وبناء أسسه، حتى إذا استوى على سوقه، بعد مدة من زمن النهضة المباركة، بدأ جلالته في إسناد الخطط له لتنفيذها، ويقوم هو ــ حفظه الله ــ بالإشراف على ذلك واتخاذ ما يلزم من قرارات، ويفك عقد ما يستعصي من مستجدات، ثم بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة إشراك المواطن في صناعة القرار، فكان المجلس الاستشاري للدولة بأعضاء معينين، فاتخذ جلالته ــ حفظه الله ــ دور الموجّه والمرشد، فيبرز أفضل ما يملك الإنسان العماني، ويحفزه على الاعتماد على النفس والتفاني، ثم في مرحلة ثالثة ينتقل إلى مرحلة الدعم والإسناد، فالمسؤول العماني هو الذي يقرر وهو الذي ينفذ، وهنا حان الوقت لأنْ يتمتع العماني بحق الترشح والانتخاب، ليثبت أنه قادر على إتمام المهمات الصعاب، فتأصلت فكرة الشورى، بل إن من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين من أصبح عضواً في مجلس الوزراء، فكان الموطن شريكا ليس في تنفيذ القرار وحسب، بل وفي صنعه أيضا، وهاهو يظهر أعلى مراتب القيادة، ويصل إلى منتهى مراكز الريادة فأتت رؤية عمان 2040، ففوّض شباب عُمان لوضع خطة المستقبل بنفسه، فيرسم ملامح حياته وموقوماته في العشرين سنة القادمة، ليجول فريق أعضاء مكتب رؤية عمان 2040 محافظات السلطنة وولاياتها، ليستلهم الأفكار من الطلبة والطالبات في مختلف مستويات الدراسة الجامعية، ويستفيد من خبرات الموظفين والموظفات في المؤسسات الخاصة والحكومية والوزارات، فيصوغ الشعب نظرته للمستقبل وينفذها، بعد أن كانت الحكومة هي التي تضع الخطط وتقوم بتنفيذها، لتصبح عمان دولة تعتمد على أبنائها في التفكير والتخطيط والتنفيذ والإشراف والمراجعة والتقويم والتصحيح.

ختاما .. إن وطنا له من حاضر قابوس، وماضي ابن فهم، وتأريخ الجلندى وناصر بن مرشد، وحكمة قيد الأرض، ورباطة جأش أحمد بن سعيد، لهو قادر على أن يصمد أمام تحديات الحاضر والمستقبل، وما هذه الاحتفالات التي تشهدها بلادنا الغالية إلا وقفة أمام تلك التحديات، ومراجعة لما تحقق من عظيم المنجزات، فهنيئا لعمان عيدها التاسع والأربعين، وأمنا وسلاما للعمانيين، ولباسَ عافية لجلالة السلطان.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك