جابرالعماني
يُعدُّ الطلاق من المنظور الاجتماعي سبباً من أسباب التفكك الأسري والاجتماعي، والذي من خلاله يتم تحطيم الروابط الأسرية والاجتماعية بين الزوجين عبر إنهاء العلاقة الزوجية، ذلك أن تأثير الطلاق لا يقع على الزوجين، بل يتعدى الأمر أكثر من محيطهما، فيمتد إلى الأبناء والأقارب، وكلما زاد الطلاق زاد تأثيره السلبي على المجتمع وأفراده.
لقد أصبح الطلاق اليوم من أكبر المعوّقات التي تواجه الأسرة وتساعد على شتاتها ودمار أفرادها، ومن المؤسف جداً أنّ البعض يعتبر أنّ الخروج من البيت الزوجي والأسري هو الحل الأمثل لتحسين حال الزوجين، لا بل على العكس فإنّ هذا الحل هو بحد ذاته كارثة نفسية وعائلية تنعكس سلباً على حياة الزوجين، وتسهم في الوقت نفسه في تمزيق أواصر المحبة والمودة والتآزر في الداخل الأسري والاجتماعي.
إنّ ظاهرة الطلاق في المجتمع العربي هي من أخطر الظواهر تعقيداً فقد تصاعدت معدلات الطلاق بمستويات مخيفة جداً بحيث باتت تؤرق الوطن العربي، فالتقارير والإحصائيات التي يتم إيرادها اليوم عبر الإعلام الرسمي تشير إلى أن الأسرة العربية باتت مهددة من كثرة ازدياد معدلات الطلاق فيها. فقد شهد عام 2018 أرقاماً كارثية للطلاق، تجسدت في بعض الدول التي سجلت أعلى نسب للطلاق، فعلى سبيل المثال فإن بعض دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت الإحصائيات فيها عدد حالات الطلاق أكثر من أربعة آلاف وثمان مائة حالة بمعدل ثلاث عشرة حالة يومياً، وعند التأمل في الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة الطلاق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية نجدها كثيرة وتختلف من مجتمع إلى آخر، ومن أهم هذه الأسباب التي ساعدت على انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع نذكر ما يلي :
-
عدم فهم كلا الطرفين لأهمية قيمة الحياة الزوجية، فهناك من يقدم عليها بلا وعي وثقافة ودراية، فيظن أنّ الحياة الزوجية هي مجرد علاقة جسدية لا غير تجمع كلاًّ من المرأة والرجل على فراش واحد، وما أن تنتهي هذه الرغبات وكأنما ركب الزوجان سفينة تسير بهما وهما لا يعرفان كيف يقودانها ولا إلى أين يتجهان بها. وأمثال هؤلاء سرعان ما تنتهي علاقاتهم الزوجية والأسرية بالانفصال لأنهم يتفاجأون بعد ذلك بمسؤوليات أخرى لا يعرفون كيف يتعاملون معها.
إنّ الحياة الزوجية والأسرية تحتاج إلى دورة كاملة من الثقافة والعلم قبل الزواج، كما هو الحال في بعض الدول التي تسعى إلى تثقيف مواطنيها وتهيئتهم للحياة الزوجية، فعلى سبيل المثال في المملكة المتحدة (بريطانيا)، الرجل عندما يفكر بالزواج يطلب منه الخضوع لدورة تثقيفية في أهمية الحياة الزوجية، ليتمكن من الاطلاع على كيفية التعامل مع زوجته وما هي واجباته تجاهها، وكيف يكون قادراً على تكوين أسرة صالحة، ومن ثم يقدم على الحياة الزوجية الجديدة وهو مشبعٌ بالقيم التي تجعل منه مدركاً لقيمة هذه الحياة، وكيف يكون مسؤولاً فيها عن الأسرة التي يريد بناءها في المجتمع .
-
عدم دراسة كل طرف للآخر بشكل كاف ومقبول، فتجد البعض يتسرع في اختيار الزوجة بحيث يُفاجأ بعد ذلك بسلوكيات غير متوافقة مع فكره وتوجهاته وشخصيته، وهذا ما يؤدي حتماً إلى فشل الحياة الزوجية وحدوث الطلاق، ولذا ينبغي لمن يريد الدخول إلى هذه الحياة عدم الاستعجال في اختيار الزوجة، بل لا بدّ من الجلوس معها بوجود العائلة بغرض تعرّف كلا الطرفين على بعضهما البعض بشكل وافٍ وكافٍ، فهذا عنصر ضروري جداً للإقدام على الحياة الزوجية حتى يستطيع كل منهما أن يقرر هل من المناسب أن تربطهما علاقة زوجية وأسرية أم لا. فمن الخطأ الاعتماد على الأهل فقط في اختيار المرأة للرجل أو الرجل للمرأة.
-
الجهل بأحكام الشريعة فلا بدّ للرجل والمرأة قبل الإقدام على مشروع الزواج معرفة الحقوق الشرعية لكلٍّ منهما تجاه الآخر؛ حتى يستطيعا مستقبلاً بناء أسرة مستقرة هانئة عارفة بأهمية الحقوق والواجبات تجاه بعضها بعضا.
-
اختيار من عنده المال وعدم الاهتمام بمن يمتلك الدين والأخلاق قال رسول الله (ص): "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". فعدم تزويج أصحاب الدين والأخلاق والتركيز فقط على أصحاب المال بلا دين وأخلاق سيسرّع في عملية الطلاق.
أخيرا يستطيع كلا الزوجين الابتعاد عن ظاهرة الطلاق وإحلال الحب والتفاهم والمودة بينهما، وذلك من خلال التركيز على التخلص من العدوانية واعتبارها مجرد وجهة نظر قد تحتمل الخطأ أو الصواب، وأن يكون هدفهما من كل ذلك هو الوصول إلى كلمة سواء بينهما وليس إلى مشكلة أكبر، وهذا لا يكون إلا من خلال تضميد الجراح عبر الحوار الهادئ المصحوب بالمظهر الجميل والكلمات العذبة التي تخرج من القلب إلى القلب.