ومضات نوفمبر المجيد

حمود بن علي الطوقي

ما إن تهل علينا تباشير نوفمبر المجيد، حتى يتسابق العمانيون في كل شبر من عمان -كل حسب موقعه- للتعبير عمَّا يكنونه من حب عظيم لقائدٍ أَبيٍّ ضحَّى من أجل أن يعيش المواطن العماني -أينما كان- في رغد عيش وطمأنينة، وينعم بخيرات هذه الأرض الطيبة بحب وسلام.

ونحن نحتفل بالعيد الوطني التاسع والأربعين المجيد، نستذكر البدايات الأولى للنهضة العمانية مع تقلد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم عندما توجه لأبناء شعبه الوفي قائلا: "عفا الله عما سلف"، فهُنا نستنتج مبادئ قيم التسامح التي يُؤمن بها حضرة صاحب الجلالة تجاه شعبه، وأصبحت فيما بعد رسالة ونهجا وفكرا قويما للسياسة العمانية في التعامل مع أبناء شعبه والمجتمع بأسره في الداخل والخارج. إنها رسالة السلام التي تنتهجها السلطنة، وأصبحت محلَّ تقدير وافتخار لدى مختلف شعوب العالم، بل أصبحت منارا ونبراسا لكل من ينشد العيش في رخاء وسلام.

وقد ترجمتْ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هذه الرسالة والمبادئ العمانية من خلال معرض "رسالة الإسلام من عمان"، والذي جاب أكثر من 120 مدينة وعاصمة عالمية، لإبراز مظاهر التسامح العماني والتي تنطلق من خلال ثلاثية المعاني التي تُؤمن بها السلطنة: التسامح والتفاهم والتعايش، ومن خلال هذه الثلاثية المتلاحمة جابتْ هذه الرسالة السامية مَادَّةً يدها للعالم تبني جسورا للتواصل الحضاري والإنساني وتدعو العالم لنشر المحبة والوئام ونبذ الطائفية.

وبهذا الفكر المستنير، تحصُد السلطنة الآن محبَّة الشعوب حتى أصبحت الدولة النموذجية، وتحظى بتقدير العالم، حيث تشير التقارير الدولية إلى مدى تقدم السلطنة في ترسيخ التسامح بين الشعوب. وقد ذكر جلالته -حفظه الله ورعاه- في خطابه أمام مجلس عمان عام 2012، مُتحدثا عن الفكر الذي تُؤمن به السلطنة، قائلا: "أما سياستنا الخارجية فأساسها الدعوة للسلام والوئام والتعاون الوثيق بين سائر الأمم، والالتزام بمبادئ الحق والعدل والإنصاف، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وفض المنازعات بالطرق السلمية، وبما يحفظ للبشرية جمعاء أمنها واستقرارها ورخاءها وازدهارها".

هذه السياسة التي تُؤمن بها السلطنة أثبتتْ أنَّ السلام قيمة تتجاوز المستوى التنظيري، خاصة على مستوى السياسة الخارجية، والصلات الجوارية مع الدول الشقيقة والصديقة. وهذه المناخات المتعددة، التي تعكسها سياسة السلطنة تشير إلى حقيقة راسخة، أثبتتها عقود من السياسة العمانية، التي أرسى دعائمها عاهل البلاد المفدى، وهي انعكاسات الإيمان بالسلام، والعمل به، والسعي نحوه، وإشاعته في مختلف المواقف، وهذا واضح في نهج السياسة العمانية الخارجية، التي عزلت السلطنة عن الدخول في صراعات وتحزبات وطروحات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ مما جعل العاصمة مسقط محجًّا سياسيًّا واقتصاديًّا، ولاعبا إقليميا إيجابيا ومؤثرا في الرؤية العميقة للسلام على المستويين الإقليمي والدولي.

نختم مقالنا مؤكدين بفخر أنَّ بلادنا الغالية أصبحت رقمًا صعبًا في السياسة العالمية، ويشار إلى إنجازاتها وتعاملاتها مع العديد من الملفات الدولية الشائكة بالبنان، وانتهجت سياسة السلم لا الحرب في وساطاتها التفاوضية، وسلكت مسلك رأب الصدع لا شق الصف، ونالت بفضل ذلك احترام العالم والشعوب، على حدٍّ سواء، وهذا واحد من أعظم المكاسب التي ستظل خالدة في تاريخ السلطنة الحديث.. كل هذا بعضٌ من ومضات 18 نوفمبر المجيد.

حفظ الله جلالة السلطان المعظم الأب الحنون والمعلِّم والإنسان، الذي خطَّ بقلمه ورسم خارطة طريق لعمان، وأصبح الطريق آمنا مُشرِقا بفضل حكمته وحنكته التي لا يختلف عليها أحد.. حفظ الله جلالة السلطان رجل المحبة والسلام.