الرمحي يفتتح المنتدى المقبل.. والدورة الجديدة تتناول تجربة اندماج "النفط العمانية وأوربك"

أمين عام "جيبكا" لـ"الرؤية": السلطنة تتجه بقوة نحو العالمية في مجال الصناعات البتروكيماوية

 

 

> نسعى لرفع الحواجز الجمركية بالكامل عن الصادرات البتروكيماوية إلى الأسواق العالمية

> الاتحاد حقَّق إنجازات على مستوى الإعفاءات وقضايا الإغراق

> التكامل الخليجي البيني صعب.. والاستثمارات المشتركة واعدة ومثمرة

 

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

أشاد سعادة الدكتور عبد الوهاب السعدون الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات "جيبكا"، بما وصلت إليه الصناعة في السلطنة، مُؤكدا أنها حققت قفزات نوعية متسارعة، متوقعا أن تصل إلى أعلى المستويات العالمية بعد خطوة الدمج بين مجموعة النفط العمانية وأوربك. ومع تسارع خطوات دول مجلس التعاون لتوسيع القاعدة الصناعية والتي تمثل صناعة البتروكيماويات حجر الزاوية فيها. وطرح سعادته في حواره مع "الرؤية" رؤى مهمة حول سبل التعاون المتاحة بين دول مجلس التعاون في مجال الصناعات البتروكيماوية والتحديات التي تواجهها الصناعة.

 

< في كتابك "رحلة نحو الصدارة"، تناولت تحول المنطقة إلى أهم مراكز إنتاج البتروكيمياويات، فكيف ترى المقارنة بين البدايات والوضع حاليا؟ وكيف ترى الاختلاف بين التحديات فيما مضى والتحديات الحالية؟

- البدايات كانت فيها تحديات عديدة وتشكيك في إمكانية إقامة مجمعات ضخمة لإنتاج البتروكيماويات في المنطقة؛ لعدم توافر متطلبات الصناعة بما في ذلك بنية أساسية وتقنيات إنتاج وموارد بشرية مؤهلة وأسواق محلية لمنتجاتها. وكانت منطلقات دول المنطقة استغلال الغاز المصاحب الذي كان ينتج كمنتج عرضي عند ضخ البترول من الآبار النفطية وتحرق كيمات كبيرة منه حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، مسببة تلوثَ الهواء لعدم توافر البنية الأساسية لاستغلاله. ولهذه الأسباب مجتمعة، واجهت الصناعة والقائمون عليها في مرحلة البدايات حملة من التشكيك محليا وعالميا، لكن بفضل الرؤية السديدة وتبني دول المجلس إستراتيجية تنويع القاعدة الاقتصادية، نجحت دول المجلس خلال العقود الأربعة الماضية في أن تصبح مركزا عالميا لإنتاج الكيماويات والبتروكيماويات السلعية.

كما أنَّ إقامة صناعة بتروكيمياوية ترتبط إما بوفرة المواد الخام وهو الأمر المتاح بالنسبة لدول الخليج، أو بوفرة الأسواق الواسعة لأن هذه المنتجات تنتج عادة بطاقة إنتاجية كبيرة جدا، وهذا الأمر غير متاح بالنسبة لدول الخليج لأن الأسواق محدودة؛ وبالتالي نتج عن ذلك تبني الصناعة في دول الخليج لإستراتيجية الإنتاج من أجل التصدير، من 80% إلى 85% من إجمالي الإنتاج الخليجي من البتروكيمياويات من البدايات إلى الآن، يجري تصديره للأسواق الخارجية وتبلغ حصة البلدان الآسيوية منها 57% من إجمالي الصادرات الخليجية.

ومع أنَّ التحديات التي شهدتها البدايات كانت كبيرة ومتعددة، فقد تحولت مع حسن التخطيط والاستثمار في تطوير القدرات البشرية الوطنية إلى فرص، واستفادت دول مجلس التعاون منها، والنتائج كما نرى واعدة؛ فالصناعة الآن في نمو مستدام، وكل المتطلبات لمزيد من النمو أيضا متاحة، ولا يعني ذلك أن التحديات انتهت بل إن هناك تحديات عديدة خارجية وداخلية.

 

< هل توضح لنا هذه التحديات؟

- بالنسبة للتحديات الخارجية، فأغلبها ترتبط بحالة الاقتصاد العالمي وحالة الأسواق العالمية لمنتجاتنا، ومثلما هو معروف فإنَّ أيَّ انكماش في الاقتصاد العالمي ينتج عنه ضعف في الطلب وضغط على الأسعار وهو ما يحدث حاليا؛ فنرى نوعا من التراجع في النمو الاقتصادي في الصين تحديدا التي تعتبر أكبر أسواق المنتجات البتروكيمياوية الخليجية، والتي تستحوذ على حوالي 26% من إجمالي الإنتاج الخليجي من البتروكيمياويات، وهو ما نتج عنه تراجع في الطلب وضغط على الأسعار ووقوع انكماش في هامش الربح، لكن هذه الصناعة تعتبر من الصناعات ذات الدورات الاقتصادية، وأعتقد أننا نمرُّ حاليا بقعر الدورة الاقتصادية، وهناك صعود منتظر، وعادة الاستثمار في صناعة البتروكيماويات من الاستثمارات الصناعية.

 

< ومع تطوير التقنيات والابتكار، هل يؤدي ذلك إلى تحدٍّ آخر يرتبط بفرص العمل في القطاع؟

- على العكس، فالتقنيات والابتكارات تحسِّن تنافسية المصانع والمنتجات، ولنتفق أن صناعة الكيماويات صناعة ذات محتوى تقني عالٍ، ودرجة الأتمتة فيها عالية جدا؛ وبالتالي فهي ليست من الصناعات كثيفة الاستخدام للعمالة، لكنها تخلق صناعات تحويلية وقطاعات خدمية متعددة مثل الخدمات اللوجستية، وكل هذه الصناعات المساندة تتسم بكونها كثيفة الاستخدام للعمالة.

ويركِّز الاتجاه الحالي في الصناعة الخليجية على تنمية صناعات تحويلية محلية تقوم على هذه المنتجات الوسيطة، وهي ما يخلق فرص العمل، ويرفع كثيرا من القيمة المضافة للقطاع، وبالفعل دول الخليج في تحرك جاد نحو تطوير قاعدة الصناعات التحويلية، ونشهد على سبيل المثال في سلطنة عمان العديد من المناطق الحرة في الدقم وصحار وصلالة...وغيرها تستهدف في الدرجة الأولى تطوير صناعات تحويلية تعزز من القيمة المضافة، وأيضا تخلق فرصَ عمل للشباب العماني؛ فالتنافس والابتكار والتقنيات الحديثة على العكس تضاعف المردود من الصناعة؛ لأنه يحسِّن من تنافسية القطاع الصناعي ككل.

 

< تتسارع حاليا مشاريع إنشاء المصافي في الدول الآسيوية غير العربية -الصين والهند وباكستان...وغيرها- وبعضها تسهم فيه استثمارات خليجية، فما رأيك في ذلك؟

- من المعروف أنَّ الاستثمارات تتجه إلى المناطق التي فيها نمو وطلب قوي، خاصة الأسواق الآسيوية، مثل الصين وكوريا وفيتنام والهند؛ حيث توجهت الاستثمارات الخليجية لإقامة شراكات لإقامة مصانع للبتروكيماويات في الخارج، وهذا النوع من الشراكات الاستثمارية يوفر درجة عالية من التكامل؛ فالمشتقات النفطية متوفرة في دول الخليج على سبيل المثال؛ لذلك يتم إقامة مصاف للتكرير يكون مدمجا فيها منتج البتروكيمياويات، وتستغل خامات البترول والمشتقات البترولية تحديدا النافثا التي تصدر إلى هذه المجمعات الصناعية في الصين أو فيتنام أو غيرها؛ بحيث يجري تكرير هذه الخامات، وفي نفس الوقت الإنتاج الذي يدخل في الصناعات البتروكيمياوية يُستغل لإنتاج بتروكيماويات أساسية وتحويلية، وهذا كاستثمار خليجي خارجي يحقق فائدة مزدوجة؛ أولا: تأمين أسواق لخامات البترول في أسواق كبيرة وواعدة، وثانيا: قربه من أكبر الأسواق المستهلكة يحقق مردودا اقتصاديا عاليا للاستثمار؛ وبالتالي فإنَّ هناك فائدة مزدوجة وتحقق تكامل للقاعدة الإنتاجية الموجودة في دول الخليج.

 

< وكيف تنظر إلى تجربة إنشاء مصفاة في منطقة الدقم العمانية مناصفة بين السلطنة والكويت؟

- المشروع يُمثل بالنسبة لنا في الاتحاد توجُّها إيجابيا للغاية، خاصة ونحن نفتقد في دول الخليج لمشاريع مشتركة من هذا النوع، ولا يوجد سوى مشروع وحيد وهو المقام في مملكة البحرين، وهو شركة الخليج للبتروكيماويات، وهو شراكة متساوية الحصص بين كل من البحرين والكويت والسعودية، وهو ينتج منذ الثمانينيات إلى الآن وحقق بالفعل عوائد استثمارية جيدة جدا لكل المستثمرين فيه، وهذا يعد مؤشرا على المشاريع الخليجية المشتركة التي لها مردود إيجابي، لكن مع ذلك لم يتكرر هذا النموذج الناجح، واليوم ونحن نشهد المشروع المشترك في مصفاة الدقم بين مجموعة النفط العمانية في سلطنة عمان والشركة الكويتية للاستثمارية الدولية بدولة الكويت، فإن هذا مؤشر على إمكانيات التكامل الناجح لأطراف الشراكات الخليجية، لتوريد خامات من كلا الدولتين، وأيضا استفادةً من موقع إستراتيجي مميز لمنطقة الدقم، ليس فقط لقُربها من الأسواق في وسط وشرق آسيا، لكن أيضا لقربها من سوق القارة الإفريقية، وهو سوق واعد غير مخدوم حتى الآن.

 

< وما هي برأيك الفرص المتاحة للتكامل بين إدارات الصناعات البتروكيمياوية في دول الخليج؟ وهل يؤثر التنافس على تلك الفرص؟

- لكي نكُون واقعيين، ربما يكُون التكامل التام في الصناعات البتروكيمياوية بين دول الخليج صعبَ التحقق لأسباب؛ على رأسها: أن هيكل القاعدة الإنتاجية واحد؛ لذا يلاحظ أن المنتجات الخليجية للصناعة واحدة تقريبا، لكن من الممكن أن يحدث تكامل في مراكز تصنيع سواء داخل الخليج أو في الخارج، وحاليا نرى على سبيل المثال مبادرة نأمل لها النجاح لمشروع في الهند يشترك فيه كل من أرامكو السعودية وأدنوك من الإمارات مع 4 شركات هندية مملوكة للحكومة، وهو مشروع ضخم جدا وتقدر الاستثمارات فيه بنحو 40 مليار دولار وتعتبر من الأضخم في صناعة البتروكيمياويات على مستوى العالم.

 

< بحكم خبرتك في منصب الأمين العام لـ"جيبكا" لأكثر من 10 سنوات، ما هي الإنجازات التي حققها الاتحاد للصناعات البتروكيمياوية؟

- الاتحاد بمثابة منصة لتبادل المعلومات والتجارب ما بين المنتجين، وما بين الهيئات والجهات الحكومية ذات الصلة، ومنذ تأسيس الاتحاد يمكن القول إنَّ الاتحاد حقق نجاحات جيدة خاصة في مجال التنسيق وفتح مجالات اللقاءات المباشرة، كذلك أسهمت المنتديات التي يعقدها الاتحاد في بناء قواعد بيانات متخصصة، حيث تمكنا خلال سنوات قليلة من تكوين بوتقة فكر مختص في هذه الصناعة، كذلك ركزنا على موضوع التعاون مع المشرعين في بلورة سياسات وأنظمة تحقق التنمية المستدامة لهذه الصناعة، وأنتج ذلك تمكنا من الحصول على تشريعات خليجية واتفاقيات بالتعاون مع الهيئات المعنية بالأنظمة والمواصفات لوضع مواصفات خليجية موحدة للمنتجات البتروكيمياويات، وهو ما يساعد في تسهيل التجارة البيئية بين دول الخليج.

كذلك تمكَّنا من تحقيق إنجاز آخر مهم وهو رفع الرسوم الجمركية عن عدد كبير من المنتجات البتروكيمياوية الخليجية المصدرة إلى أوروبا، وهو ما يوسِّع هامشَ الربح للشركات المنتجة، كذلك فقد تمكَّنا من الحصول على اتفاقية للإعفاء من الرسوم الجمركية في منتج الميثانول لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، وهذا من شأنه أن يحقِّق سنويا عوائد تصل إلى 130 مليون دولار للمنتجين الخليجيين، وهو أحد الإنجازات التي تمكن الاتحاد من تحقيقها، والتي كان من الصعب للشركات المنتجة منفردة الوصول إليها خاصة في الأسواق الرئيسية الكبرى.

 

< وكيف ترى أوضاع صناعة البتروكيمياوية في السلطنة؟

رغم أنَّ السلطنة دخلت مجال صناعة البتروكيمياويات متأخرة نسبيا، إلا أنها استطاعت تحقيق قفزات نوعية واسعة، وقطعت شوطا كبيرا بخطوات متسارعة في إقامة صناعات بتروكيمياوية متميزة تستثمر الخامات الوطنية من الغاز والمشتقات النفطية لتحقيق قيمة مضافة، وحاليا أصبحت هناك مناطق صناعية ومناطق حرة تستوعب العديد من الأنشطة الصناعية في هذا المجال خاصة في صحار، وأيضا ما نشهده من خطوات متسارعة لإقامة صناعات رائدة في هذا القطاع في الدقم، وأعتقد أنَّ هناك توجها لدى السلطنة للدمج بين الشركات التي تملكها شركة النفط العمانية، وهو ما أثق أن مردوده سيكون إيجابيا جدا على الصناعة العمانية لتنافس بقوة في الأسواق العالمية.

 

< يُنتظر أن تعقد الدورة الـ14 لمنتدى جيبكا السنوي في ديسمبر المقبل، فهل يمكن إطلاعنا على أبرز ما سيتناوله؟

- سيشرِّفنا معالي الدكتور محمد بن حمد الرمحي وزير النفط العماني بافتتاح المنتدى، الذي سينعقد في دبي خلال الفترة 3-5 ديسمبر المقبل، كما يشارك في فعاليات منتدى جيبكا لهذا العام من عمان أيضا سعادة المهندس مصعب المحروقي الرئيس التنفيذي لمجموعة النفط العمانية وشركة النفط العمانية للمصافي والصناعات البترولية (أوربك)؛ حيث سيقدم عرضاً حول مراحل الاندماج النهائية بين شركة النفط العمانية وأوربك، والتي تقدر عائداتها بنحو 3 مليارات دولار على مدار فترة تنفيذ الصفقة.

وسيضمُّ المنتدى في نسخته الجديدة عددا من أبرز الخبراء وقادة القطاع على مستوى العالم، وسيشهد مناقشة العديد من النقاط التي تهمُّ الشركات المختصة بالصناعات البتروكيماوية؛ منها: سيناريوهات الشراكات الإستراتيجية المختلفة، وآفاق النمو من خلال الابتكار والاستدامة.

وننتظرُ أن يشهد مُنتدى جيبكا مشاركات من دول العالم، خاصة وأنه أصبح الآن يتمتع بسمعة مميزة باعتباره الحدث الأكبر من نوعه على مستوى المنطقة بل والعالم؛ لذلك ستتطرق الموضوعات المطروحة إلى ما يهم الصناعة من كافة جوانبها؛ مثل: البيئة الحمائية وتأثيرها على التجارة، وأهمية رأس المال البشري لتعزيز القدرة التنافسية للأعمال، والتوقعات المستقبلية لصناعة البتروكيماويات، وكذلك مناقشة توجهات أسواق  الكيماويات  العالمية، ومستقبل صناعة البلاستيك، ومتطلبات إقامة مناطق صناعية في دول الخليج العربي، وغيرها من الموضوعات المهمة.

تعليق عبر الفيس بوك