تجارة الجمال

أنيسة بنت إبراهيم بن عباس الهوتية

ليست هُناك أم لم تشتكِ من تلك الفتاة الصغيرة التي كسرت علبة الماكياج، ولعبت بالحمرة على وجهها ووجه أخيها أو أختها والأسوأ من ذلك أنها لونت جدران البيت بألوان قوس قزح وبفنها البسيط رسمت رسماً غير معروف الملامح وغير مفهوم الرؤية وليست له رسالة سوى أنها بصمة مُشاغبة لطفلة أبدت حبها الأول للماكياج.

ومحبة الجمال فطرة في المرأة منذ العصور القديمة إلى الآن على اختلاف الأدوات والمواد، وسرعة التطور غيرت مواد التجميل من الحناء، الياس، الزعفران، الشوران والمسواك حتى مررنا بالمكياج ووصلنا إلى عصر عمليات التجميل والفيلر والبوتكوس وغيرها الكثير من المواد التي لا تعطي نتيجة تجميل مؤقتة إنما نتيجة تستمر لشهور أو تغيير كامل لملامح الوجه ولون البشرة!

وأصبحت تجارة الجمال أنجح تجارة في العصر الحالي ومُكسبة أكثر من أربع أكبر تجارات ممنوعة عُرفت عبر التاريخ وهي تجارة (السلاح، الممنوعات، الدعارة ومافيا التسول) والتي رغم العقوبات القانونية عليها، إلا أنَّها لم تتوقف بسبب جشع تجارها للمال الوفير الذي يتم إنتاجه منها! والآن أتت تجارة الجمال القانونية هذه تنافسهم والتي تكسب أضعافهم دون عقوبات.

لكن كل اختراعات الجمال القانونية والتي انتشرت كنقطة حبر في ماء بين أوساط المجتمعات وأصبحت في متناول اليد لا زالت تعاني الخلل والدليل على ذلك الحالات المتضررة التي تكاد تكون من بين كل عشرة واحد!

والأسوأ من ذلك نسبة الموت الأكبر بسبب حُبوب الجمال والتي كَثرت أنواعها في الفترة الأخيرة، ومنها حبوب التبييض، حبوب التخسيس، حبوب نضارة الوجه، حبوب لوقف تساقط الشعر وتطويله وتكثيفه، وأنواع كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة والفتيات يسعين لشراء هذه الأدوية الكيمائية التي تعزز الجمال! من جهات غير موثوقة طبياً أو يطلبنها من الخارج عن طريق أشخاص متمهنين، وهناك من يشتريها بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة جدا ويبيعها بأضعاف سعرها إلا أنها لا تزال أرخص من أسعار المصرحة في الصيدليات فيسعى إليها من لا يمتلك المال الوفير.

وقد أسميتها (تجارة الجمال.. بالموت) لأنها أودت بحياة الكثير من الفتيات والشابات بأمراض خبيثة، وغيرهن ممن لا يزلن يشتكين من الأمراض المزمنة. فابتلاع كل هذه الحبوب والأدوية الكيميائية يومياً مع نظام تخسيس شديد جدًا يكاد يصل إلى التعذيب بالتجويع للمحافظة على النحافة المطلوبة ومنع أي طعام عضوي عن الجسم حتى لا تزيد أوزانهن!

وكل ذلك يؤثر على عقولهن وأجسادهن بسبب تراكمات المواد الكيمائية تلك، وتوتر إفراز الهرمونات من الغدد والأعضاء في الجسم مما يتسبب بحالات الفشل الكلوي، وتليف الكبد، وسرطانات الدم والمعدة والقولون- نعوذ بالله منها- وغيرها من الأمراض التي انتشرت في الفترة الأخيرة في أوساط الفتيات الصغيرات اللائي أصبحن ضحية تجارة الجمال هذه، ناهيك عن الاضطرابات النفسية والتقلبات المزاجية والانفعالات العصبية التي تتسبب بها هذه الأدوية الكيمائية وغير ذلك من حالات الجلطات والسكتات الدماغية والقلبية.

وإن استمر الحال كذلك لا نعلم كم سيكون عدد الخسائر وكم سنفقد من بناتنا وفتياتنا الساذجات اللاتي وضعن الجمال المثالي المزيف همهن الأساسي في الحياة، واتبعنه مذهبا وديناً كما اتبع بنو إسرائيل السامري حين قال لهم (أعبدوا العجل!).