الصقري: المسؤولية الاجتماعية من كمال واجبات معتقداتنا الإيمانية وعلينا تحقيق أهداف مجتمعاتنا التنموية
شاترجي: أكثر من 11 ألف شركة تضخ 3 مليارات دولار لصندوق التنمية الهندي لسد احتياجات الفقراء والمحرومين
الرؤية - مريم البادية
شهد المحور الثاني من أعمال المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية في دورته الثالثة الذي حمل عنوان "مسودة الأولويات الاجتماعية"، تقديم ورقتي عمل وعقد جلسة نقاشية، بهدف الخروج بقائمة الأولويات الداعمة لقطاع المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وقدّم الدكتور الرمضي بن قاعد الصقري المشرف العام ومؤسس الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية ورقة عمل بعنوان "المسؤولية الاجتماعية... مسؤولية"، أكد فيها أنّ الغرب تبنى حديثا قولبة وحوكمة الكثير من القيم والمبادئ الفاضلة لتعيش الشعوب بسعادة وأريحية، ومن أبرز هذه القيم المسؤولية الاجتماعية "Social Responsibility"، ولا تزال البحوث والدراسات والتطبيقات للمسؤولية الاجتماعية في تحديث وتطور مستمر في العالم الغربي.
وأضاف الدكتور الرمضي بن قاعد الصقري: "من المؤسف نحن الشعوب العربية والإسلامية نصاب بالدهشة والإعجاب لرقي تلك المجتمعات الغربية، وهذا بسبب سعيها الدؤوب للارتقاء بمسؤوليتها الاجتماعية مما أسهم في رقي وسمو أخلاق مجتمعاتها وتطورها، في حين أنّ المسؤولية الاجتماعية من كمال واجبات معتقداتنا الإيمانية بمختلف عقائدنا حيث إنّ المولي عز وجل منذ بدء الخليقة والنشأة الأولى أوجب المسؤولية على البشرية بعبادته وإعمار الأرض".
وتابع: "على الرغم من أننا نملك خارطة الطريق الصحيحة للمسؤولية الاجتماعية بمنهج رباني قد لا ترقى إليه كل دراسات وبحوث الغرب والشرق في عكس ممارسات المسؤولية الاجتماعية الحقة؛ ومن المحزن أيضا إن أغلبنا كشعوب عربية وإسلامية ندرك تلك الفطرة الإلهية ونؤمن بها إلا أنّ الكثير منا يتصرف وكأننا في يوم الطوفان، مما انعكس كممارسة يومية يطغى عليها طابع الأنانية حيث تبرز في السلوك المشاهد بمجتمعاتنا، وكأن تلك الفطرة واليقين الإيماني منفصل تماماً عن السلوك الممارس، وهذا الأمر يصور لنا مجتمعاتنا كمجتمعات تعاني من الانفصام الفطري".
وأوضح الصقري أنّ المرحلة الحالية تشهد تطبيق أهداف التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة التي تعتبر خطة أممية لتحقيق التنمية في دول العالم فقد أكدت بشكل كبير على المبادئ الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية وتطبيقاتها في ثلاث نقاط أساسية "أولا: المسؤولية الاجتماعية بحيث نلتزم نحن بذلك ونؤدي جميع مسؤولياتنا تجاه مجتمعاتنا ولا يكفي الاعتقاد إنما تصاحبه ممارسة ما نعتقد به، وثانيا: الحوكمة المؤسسية الرشيدة والأمر الثالث، بحسب الدكتور الصقري، فيتمثل في الشراكة الاجتماعية، فنحن شركاء في الموارد والمصير في المجتمع وكأحد تطبيقات المسؤولية الاجتماعية ينبغي أن نحشد الجهود لتحقيق الاهداف التنموية التي تسعى لها مجتمعاتنا".
وأكّد الدكتور الرمضي بن قاعد الصقري المشرف العام ومؤسس الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية، أن هذه العناصر والمبادئ تتكامل مع بعضها لتحقيق الأمن الاجتماعي بمعناه الشامل الذي يعتبر القاعدة الأساسية لكل أمن كالأمن الاقتصادي والعسكري وغيره. من خلال شراكة في المنافع والتكاليف وكذلك شراكة بين الأجيال الحالية والمستقبلية وكذلك شراكة بين الدول لتحقيق الأهداف التنموية من خلال الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية الصحيحة التي تحقق التنمية.
وبيّن الصقري أن المسؤولية الاجتماعية الصحيحة التي نعرفها جيدا من خلال ثقافتنا وقيمنا وأيضا ما تدعو إليها المناهج والنظريات الحديثة أصبحت تختلف عما نمارسه في العالم العربي والإسلامي إنما تختزل في ممارسات ضيقة، وأحيانا تمارس بشكل خاطئ دون أسس علمية منهجية تحقق الهدف المنشود منها.
ودعا الصقري إلى البدء في تشكيل فريق مشترك لتنقيح المسؤولية الاجتماعية والنهوض بها من خلال إنشاء صرح عملاق دولي مركزه مسقط يتميز بالاستدامة في البحوث والدراسات القابلة للتطبيق والمنهجيات والتطبيقات الصحيحة للمسؤولية الاجتماعية تحت شعار ممارسة "المسؤولية الفطرية".
عقب ذلك قدم الدكتور باشكار شاترجي، مؤسس المسؤولية الاجتماعية للشركات في الهند والسكرتير الدائم لحكومة الهند سابقا ورقة عمل بعنوان "النموذج الإلزامي للمسؤولية الاجتماعية.. نهج الهند الابتكاري" ذكر فيها أنّ تاريخ الاستراتيجية الحديثة للمسؤولية الاجتماعية للشركات في الهند، بدأ منذ إصدار "المبادئ التوجيهية"، الأولى من نوعها على الإطلاق، والتي كانت تطبق على مؤسسات القطاع العام، وأصبحت هذه الإجراءات سارية اعتبارًا من الأول من أبريل 2010.
وأضاف باشكار شاترجي أنها عبارة عن مجموعة من الإرشادات الشاملة لشركات القطاع العام، بشأن الأساليب اللازمة لتنفيذ أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات، وكانت هذه "المبادئ التوجيهية" التاريخية مقدمة للتشريع الذي تلاها عام 2013، وقد تضمنت بالفعل العديد من المميزات الواضحة التي كان من المفترض أن تكون مضمنة في المادة 135 من قانون الشركات لعام 2013.
وأضاف أنه عند إقرار هذا القانون، تغير المشهد العام للمسؤولية الاجتماعية للشركات بالكامل. فأصبحت كل الشركات فوق مستوى معين من الأرباح وصافي القيمة والعوائد. اختصارا وضع هذا القانون العديد من الأحكام التي رفعت أنشطة المسؤولية الاجتماعية إلى مستوى جديد تماماً.
وذكر شاترجي، أنّ القانون في المادة رقم 135، نص على أنه اعتبارًا من 1 أبريل 2014، حدد قانون الشركات الصادر عن حكومة الهند تلك الشركات التي حققت أرباحًا صافية قدرها سبعمائة ألف دولار أو أكثر أو 200 مليون دولار أو أكثر أو مبيعات بقيمة 100 مليون دولار أو أكثر في أي سنة مالية سواء أن كانت الشركة ذات مسئولية محدودة خاصة أو محدودة عامة مدرجة أو غير مدرجة في البورصة، أن تنفق ما لا يقل عن 2% من هذه الأرباح على المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وكشف شاترجي أن نحو ما يقرب من 11000 من أغنى وأنجح الشركات في الهند تندرج تحت نطاق هذا القانون، وتضخ هذه الشركات مجتمعة حوالي 3 مليارات دولار لصندوق التنمية الهندي للمساهمة بشكل مباشر في سد احتياجات الفقراء والمحرومين.
وحول الكيفية التي يعمل بها القانون، أوضح أنّ التوجه الرئيسي للقانون يهدف إلى شقين: أولا التركيز على الفقراء والمهمشين والضعفاء، وذلك من خلال خلق بيئة مواتية لتمكين الشركات من التصرف بطريقة مسؤولة اجتماعياً مع المساهمة في تحقيق أهداف التنمية البشرية للبلاد، ثانيا: إضافة جوانب جديدة إلى المسؤولية الاجتماعية وتغيير الطرق التقليدية التي تتبعها بشكل عام ليس فقط من جانب الشركات الهندية ولكن أيضاً من جانب بلدان أخرى في جميع أنحاء العالم. أضفت هذه الجوانب الجديدة طابعًا مميزاً للتشريع الهندي. وتميز القانون أيضاً بالابتعاد عن الأطر النظرية المعروفة مثل "مفهوم القيمة المشتركة" لبورتر وكرامر.
وأشار إلى أنّ أهداف النهج الهندي الجديد الملزم للشركات، تمثلت في خروج مفهوم المسؤولية الاجتماعية من الإطار التقليدي الخاص بالأعمال الخيرية والإحسان ودفع الأموال، والتخلص من نهج المتبرع والمستقبل ومعاملة من يحتاجون كشركاء، ووضع المستفيد مباشرة كهدف عند بدء أي مشروع، وجعل كل نشاط من أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات قابلاً للقياس فهناك قول مأثور يقول «ما لا يقاس عادة لا يتم»، والابتعاد عن سرد القصص والعقلية السردية والتركيز على إنشاء قاعدة بيانات قوية وموضوعية، وإدراك أن مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" لم يعد فلسفة مقبولة. يجب أن تتجاوز جهود المسئولية الاجتماعية للشركات كل الحدود لتحقق نتائج إيجابية وملموسة يشعر بها المجتمع، والنظر لكل نشاط من أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات كمشروع مستقل. وتحديد تواريخ ملزمة للبدء والانتهاء. وتوفير كل من الموارد النقدية والبشرية وتعيين وكالة منفذة ذات مصداقية في شكل منظمة غير حكومية، منظمة تطوعية أو غير ربحية وضمان دقة التوثيق والمراقبة.
وتابع أنّ من بين الأهداف وضع سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركات في إطار واضح ومقنع للشركة المسؤولة عن تحديد الأنشطة والمشاريع التي يتعين متابعتها في السنة المالية التالية، وتشكيل لجنة المسؤولية الاجتماعية للشركات على مستوى مجلس الإدارة والكشف عن ممثليها وتوافر معلومات عنها على الإنترنت، وضمان اتخاذ جميع قرارات المسؤولية الاجتماعية للشركات على مستوى مجلس الإدارة فقط بحيث يكون هناك مبدأ المساءلة الكاملة، وإدراج قسم خاص عن المسؤولية الاجتماعية للشركات في التقرير السنوي الخاص بها، وتقديم تقرير إلى الحكومة كل عام في شكل محدد يشمل تفاصيل جميع مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركة ويشير إلى الأموال المخصصة والمواقع الجغرافية للمشاريع التي قامت بها وتفاصيل الوكالات المنفذة وبالتالي تحقيق الشفافية الكاملة والموضوعية.
وذكر شاترجي أنّ عددا من الشركات المعروفة والكبيرة ترسخ بالفعل لديها مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأصبح المفهوم جزءًا لا يتجزأ من هويتها المؤسسية، لكن الشركات احتاجت إلى اتخاذ العديد من الخطوات التصحيحية وإدخال تعديلات على السياسة بحيث يمكن إتاحة الموارد وتحديد المنتجات الرئيسية وإنتاجها وتحسين الخدمات المقدمة وتخصيص الموارد البشرية والاتصالات المصممة للبرامج.
الجلسة النقاشية
وانطلقت الجلسة النقاشية من أعمال المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية في دورته الثالثة، حول مسودة الأولويات الاجتماعية التي تمخضت عن المنتدى، وشارك فيها جناب السيدة بسمة بنت فخري آل سعيد خبيرة الصحة النفسية ومؤسسة الحملة التوعوية للصحة النفسية، والمكرمة صباح بنت محمد البهلانية عضوة مجلس الدولة ورئيسة جمعية التدخل المبكر للأطفال ذوي الاعاقة، والدكتور الرمضي بن قاعد الصقري المشرف العام ومؤسس الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية، والدكتور باشكار شاترجي مؤسس المسؤولية الاجتماعية للشركات في الهند والسكرتير الدائم لحكومة الهند سابقا، والمعتصم بن سعيد السريري مدير عام شؤون مجموعة النفط العمانية وأوربك، فيما أدار الجلسة محمد الغريبي مدير الشؤون الخارجية والاتصالات بشركة تنمية نفط عمان.
وتحدثت جناب السيدة بسمة آل سعيد عن أهم مشاريع المسؤولية الاجتماعية التي تتبناها مؤسستها «همسات السكون» وهي حملة «نحن معك» والتي انطلقت منذ عام 2014؛ حيث تتبنى هذه الحملة مسؤولية الشراكة المجتمعية، ففي المؤتمر الأخير للصحة النفسية كانت هناك شراكة بين المشاركين في المؤتمر وبين المؤسسة وذلك لإصدار تطبيق لحماية الأطفال من التحرش، حيث إنّ المجتمع أصبح مدرك لأهمية المسؤولية المجتمعية وتطور مفهوم الأخذ والعطاء التشاركي بين المؤسسات والمجتمع، وأضافت جناب السيدة بسمة أن الحملة بدأت بتوقيع اتفاقية مع دول الخليج لنشر حملة "نحن معك" في دول الخليج وذلك لتبادل الخبرات بين الجميع.
وقالت المكرمة صباح البهلانية الرئيس التنفيذي لجمعية التدخل المبكر لأطفال ذوي الإعاقة إنّ جهود الجمعيات مبعثرة لذا فالمبالغ التي تصرف على أعمال هذه الجمعيات هي قليلة جدا، مما ينتج لدينا عدم استدامة لهذه الجهود، فنحن نحتاج من القطاع الخاص أن يعمل مع هذه الجمعيات لتوحيد الجهود والعمل على الاستدامة ورفع كفاءتها. وأضافت أنهم في جمعية التدخل المبكر يعملون على الأفكار التي تتبنى المسؤولية الاجتماعية وعدم الاعتماد على العمل الخيري، وتطالب بإعادة صياغة مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
وتحدّث المعتصم السريري عن تجربة قطاع النفط والغاز في المسؤولية الاجتماعية وقال إنّ هذه التجربة هي وليدة سنوات طويلة فهو المسؤول الأول لتنمية اقتصاد البلد، ومثال على ذلك شركة تنمية نفط عمان، فهي تساهم بشكل كبير في تنمية المجتمع، ومما ساهم في تعزيز هذه التجربة هي وجود الخبرات العالمية، فهذه الخبرات ساهمت في صقل مهارات المسؤولين المجتمعيين هنا في البلد، إضافة إلى ذلك يجب التركيز على مبدأ الشراكة فهي مبدأ اساسي من مبادئ المسؤولية الاجتماعية، حيث لا يمكن القيام بأي عمل لخدمة المجتمع إلا من خلال التعاون الوثيق وفهم احتياجاته.
وذكر الدكتور الرمضي الصقري أنّ هناك خلط بين خدمة المجتمع والمسؤولية الاجتماعية، فأهم نقطة في الأولويات بينهما هي الوعي ثم المعرفة العلمية، وتساءل إذا كان ما تمارسه الشركات هو مسؤولية اجتماعية، ومن يقيم هذا الأمر، كما أنّه يجب على منظمات المجتمع المدني أن تواكب القطاع الخاص من حيث وجود المبادرات التي تتناسب مع مجالات كل قطاع حتى تستطيع تبنيها.
وقال إنّ الاستدامة هي غاية الجميع حيث يجب علينا أن نوعي المجتمع بأهمية ذلك من خلال تزويد المناهج التعليمية بهذا الجانب وكذلك النشر في منصات تفاعلية لمن يريد تطبيق المسؤولية الاجتماعية، ثم عرج الصقري إلى تجربة المملكة في ذلك وقال إنّها تجربة قديمة، وأسندت مؤخرا إلى وزارة العمل والتنمية، وتركز كثيرا على مفهوم الوعي لكافة القطاعات، وطالب الصقري بأهميّة وجود مركز مؤسسي معني ببحوث المسؤولية المجتمعية ويدرب عليها ويؤهل ويحفز الشركات للعمل على مبدأ المسؤولية الاجتماعية.
كما تحدث شاترجي عن أهمية توحيد الجهود للوصول إلى المعنى الحقيقي للمسؤولية الاجتماعية من خلال أن يكون هناك شمولية وتعاون بين جميع القطاعات الثلاث "الحكومي والخاص والمدني".
واختتمت الجلسة باستفسارات الجمهور حيث قال المعتصم البلوشي إنّ المشاريع التي تدعمها مجموعة النفط العمانية وأوربك هي ليست عشوائية حيث إنّ هناك فريقا مختصا لإدارة البرامج المختصة بذلك، وأنّ هناك مبادئ أساسية يعملون عليها وهي إشراك المعنيين من المجتمع المدني ومؤسساته والقطاع الخاص كشركاء في ذلك، وكذلك القطاع الحكومي كمنفذين ومتخذي قرار أيضا، كما أننا ننظر إلى هذه البرامج من خلال الاستفادة من الخبرات السابقة فنحن نعمل في أكثر من 13 دولة حول العالم، فالكثير من المجتمع هنا ينظر إلى المسؤولية الاجتماعية من خلال دعم برامج الجمعيات والمؤسسات المختلفة، بينما النظرة لهذه المجال في عملياتنا داخل أوربا تكمن في أن الاستدامة من خلال إيجاد منتجات تقدم وعليها طابع الاستدامة، حيث تستخدم فيها المواد بشكل مستدام، ويتم التعامل فيها بشكل آمن دون الإضرار بالبيئة، ووضع أفضل الطرق والحلول لاستدامة أنشطتها، فهذه التجارب العالمية ساعدتنا في النظر إلى هذا الجانب بشكل مختلف.