علي بن سالم كفيتان
اختار المُواطن من يُمثله في مجلس الشورى للدورة التاسعة وطارت الركبان بالخبر عبر الصحف والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويكاد يجمع كل من حضر وشاهد الزخم الانتخابي في السلطنة بأنه استفتاء على روح المحبة التي يكنها العُمانيون لوطنهم وولائهم لسلطانه، فرغم الأعطال الفنية التي شابت نظام التصويت الإلكتروني الجديد إلا أنَّ الناخبين ظلوا في المراكز الانتخابية حتى وقت متأخر للإدلاء بأصواتهم وخاصةً في الولايات الأكثر كثافة من حيث عدد الناخبين وشكل ذلك دليلاً على صبر وجلد صاحب الخيار المصمم على إيصال خياره لقبة المجلس.
وفي قراءة أولية للنتائج نرى أنّ الأكثر جدارة هو من حالفه الحظ، والجدارة لا تعني المؤهل العلمي أو الحضور الشخصي كما يعتقد البعض، بل الفارق يكمن في القبول الشعبي مهما كانت التوجهات التي تصنع القادم الجديد، فمن استثمر المعايير كافة واستطاع العمل عليها هو من ربح العضوية، ولا شك أنَّ المعيار القبلي كان هو المُحدد الرئيسي لهوية المجلس الجديد، فمن لا يمتلك قواعد انتخابية قوية وملتزمة لم يحالفه الحظ مهما كانت إمكانياته وأطروحاته العقلانية، ومن هنا بإمكان المرشحين المستقلين أو المهنيين الاستفادة من هذه النتائج عبر قراءتها جيداً وإيجاد توأمة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
لا شك أنَّ أمام المجلس الجديد الكثير من الطموحات والآمال؛ وأبرزها خلق هوية مستقلة ذات مصداقية للمجلس تتمتع باحترام المجتمع العُماني الذي أفرزها بعد مخاض عسير، وهذا لا يتأتى إلا بإجراء عملية تحديث شاملة لرئاسة المجلس وأمانته العامة، فأداء المجلس في الدورات السابقة لم يكن على مستوى الطموح الوطني، وجعل هذه المؤسسة مدافعةً عن سياسات عامة ساهمت في الإثقال على كاهل المواطن وتكبيله بمجموعة من الضرائب والاستمرار في سياسة التقشف الصارمة التي أتت على الأخضر واليابس، بدءًا من وقف التوظيف في القطاع العام وحتى وقف الترقيات، وغيرها من القرارات التي لم يستطع المجلس في دورته السابقة إيجاد حلول لها ولو كانت جزئية.
نحن على يقين بأن مولانا جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- منح الصلاحيات الكافية للمجلس، لكن الظاهر أنَّ المجلس لم يستطع تفعيل الصلاحيات الممنوحة له بسبب التراكمات العقلية القديمة التي ظلت تحكم أعضائه، فكثير من هؤلاء لا يزال يرى في نفسه موظفاً حكومياً ولم يستطيع الفكاك من الحياة الرتيبة التي عاشها كموظف يرى أنَّ لديه مسؤول أعلى يجب أن يتحرك في فلكه بالمجاملة والمداراة وغيرها من الأساليب الرائجة في مجتمع الوظائف العامة، ولذلك ظل موظفاً وليس ممثلاً للشعب، وذهبت أولوياته لأهداف صغيرة في مجملها شخصي أكثر مما هو عام، وكان من الواجب أن ينفض المرشح غبار عباءته القديمة ويستبدلها بأخرى ترتكز على حماية الحق الشعبي عبر تحديث التشريعات القائمة واقتراح أخرى وإيجاد رقابة صارمة على المال العام عبر الآليات والأدوات الرقابية الممنوحة للمجلس.
كنَّا نحلم في انتخابات هذه الدورة بأن تكون النتائج مباشرة على القنوات الفضائية العُمانية بعد استحداث نظام التصويت الإلكتروني وأن يدلي جميع الناخبين بأصواتهم مبكراً في جميع المراكز وأن تصبح النتائج الأولية متوفرة فور إغلاق أجهزة التصويت وبذلك نكسب قصب السبق عالمياً في تطبيق هذه الآلية الرقمية، وليس لدينا شك بأن وزارة الداخلية ستدرس وبعناية التحديات التي واجهت آلية التصويت الإلكتروني في هذه الدورة، وسنرى حلولاً ناجعة ومبهرة بإذن الله تعالى في انتخابات المجالس البلدية المقررة العام المقبل.
.. فشكراً لكل المخلصين الذين ساهموا في إيجاد الحلول التقنية وصبروا على الضغوط المجتمعية طوال نهار يوم الانتخاب فهم كثر في طول عُمان وعرضها وكانوا أبطالا بحق، ولهم منِّا كل التحية.