"بلومبرج": موت البغدادي لا يعني انتهاء "داعش"

مقال نشرته وكالة بلومبرج الإخبارية بقلم جيمس ستافريديس، وهو متقاعد من البحرية الأمريكية والقائد الأعلى السابق لحلف الناتو

ترجمة- رنا عبدالحكيم

رغم مقتل أبو بكر البغدادي فالمهمة أبعد ما تكون عن أنها "أُنجزت" في مواجهة ما يعرف بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)؛ إذ سيظل الإرهابيون يشكلون خطرا كبيرا على المصالح الغربية في جميع أنحاء العالم، فهم لا يعتمدون على قائد واحد يلتفون حوله، بل لديهم أيدولوجية قاتلة ومنظمة تتضمن شبكة واسعة من الأتباع في جميع أنحاء العالم.

أتذكرُ اليوم في عام 2006، عندما كنت نائباً لعميد ومساعد عسكري كبير لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، وكنا في موسكو، وجرى استدعائنا إلى منشأة اتصالات آمنة، وأُبلغنا أن زعيم تنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، قد قتل في مهمة مماثلة. في ذلك الوقت، اعتقدتُ أن هذا سيكون بداية النهاية للقاعدة، التي كانت بالفعل في حالة كر وفر، لكنها لم تكن كذلك. ومن المفارقات أنه بعد وفاة الزرقاوي، بدأنا نرى بناء "تنظيم الدولة".

النقطة المهمة هي أن قتل أي فرد من غير المرجح أن يكون له تأثير فوري على هذه المنظمات الخطرة. ففي الواقع، ينبغي أن ندرك بشكل خاص أنه إذا مات البغدادي حقًا، فسيكون هناك ميل من جانب داعش إلى تسريع أي عمليات لديهم لإظهار أنهم لا يزالون داخل الميدان. وحتى بعد استعادة الجزء الأخير من الأراضي من "دولة الخلافة" من داعش في أوائل هذا العام، كان الإرهابيون لا يزالون قادرين على التخطيط وإطلاق وتنفيذ عملية قصف عيد الفصح في سريلانكا، مما أسفر عن مقتل المئات وإصابة الآلاف في عدة كنائس.

وبالتالي، فإن السؤال الرئيسي هو: ما الذي ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها القيام به للاستفادة من الهزيمة البالغة الأهمية - ولكن غير النهائية - لداعش بعد وفاة زعيمها؟

أولاً: يجب أن ندرك أن مفتاح مواجهة هذا النوع من الشبكات الإرهابية هو إنشاء شبكة خاصة بنا. وهذا يعني قبل كل شيء، التعاون الدولي. وهذا هو بالتحديد السبب في أن نعتبر تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها السوريين الأكراد "خطأ فادحا"، وهو أمر يمكن أن يوافق عليه حتى كبار الديمقراطيين مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والجمهوريين بمن فيهم السناتور ميتش ماكونيل. فالابتعاد عن الأكراد يعني فقدان الاستخبارات التكتيكية في ساحة المعركة، والدعم اللوجستي لمهمة القوات الخاصة المتبقية، والإيمان العالمي بأن الولايات المتحدة شريك موثوق به. وفي المقابل تتمسك روسيا بالديكتاتور السوري بشار الأسد في السراء والضراء.

الآن..ربما سيضطر الأكراد السوريون إلى عقد صفقة مع الأسد والروس. وقرار إعادة بعض القوات الأمريكية إلى سوريا لحماية البنية التحتية للنفط أمر مرحب به، حتى لو كانت المهمة غامضة بعض الشيء. لكن دعونا نأمل أن يتمكن البنتاجون من الاستفادة من هذا الوجود الصغير نسبياً للتركيز على هدف هزيمة داعش.

ثانيا: التعاون بين الوكالات، وهو شيء تحسنت فيه الحكومة الأمريكية بشكل كبير خلال العقدين الماضيين من الحرب. فوزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الوطنية، ووزارة العدل (تسهم بدور رئيسي في محاربة تمويل الإرهاب)، وإدارة مكافحة المخدرات (حيث توفر المخدرات تمويلا  للإرهابيين) كلها يجب أن تعمل في تناغم وتعاون. ونجاح المهمة ضد البغدادي دليل على أن هذا التعاون البناء يحقق الأهداف، وهو ما يستدعي البناء عليه. وبصفة خاصة، تمثل الصلة بين فرق العمليات الخاصة والقوات الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية أمرًا بالغ الأهمية، خاصةً إذا استمرت إدارة ترامب في تجنب وجود أثر مهم في الشرق الأوسط.

لقد كان قتل البغدادي خطوة ضرورية ومرحب بها، لكنه وحده لا يكفي لهزيمة داعش. وقبل كل شيء، تحتاج الولايات المتحدة إلى الإبقاء على قوة صغيرة سريعة الاستجابة في المنطقة لهذا النوع من العمليات، على الرغم من الإحباط مما يسميه الرئيس دونالد ترامب "الرمال الملطخة بالدماء". لكن البديل سيكون إتاحة الفرصة لداعش كي يصعد مرة أخرى إلى المشهد.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة