نوستالجيا

فتحي إسماعيل | كاتب مصري

 

في العام ١٩٩٤ كنت نازحًا جديدًا إلى القاهرة في آواخر العقد الثاني من عمري، كنت بالكاد أعبر من بوابة المراهقة لمرحلة الشباب، أقمت في عدة لوكاندات من تلك التي يعجّ بها شارع كلوت بك، ومنها التي دفعت إيجار المبيت فيها دون أن أضع بدني المنهك على أسرته (سبب الانهاك في الفقرة التالية)، لقذارته الشديدة، أو لرعبي الشديد من فراغه وقِدمه، حتى استقر بي المُقام في لوكاندة عبارة عن شقة في آخر الشارع العتيق بالقرب من ميدان العتبة، كانت إقامتي فيها وراء كارفان خشبي، لا تتسع إلا لسرير مفرد، وسلّة نفايات في المساحة المتبقية، لكنه كان نظيفًا ورائحته ذكية ومريح للنفس فاستقريت هناك... كانت أجرة الليلة سبع جنيهات..

 

في ثاني يوم لي هناك.. طرق الباب المصنوع من خشب الحُبيبيّ طرقات خفيفة متقطعة، كنت وقتها اقرأ.. كفيت الكتاب مفتوحًا على السرير حتى لا أفوّت الصفحة، فُتح الباب على وجه طفلة بديعة الوجه.. تسألني بصوت هامس إذا كان لدي ملابس للغسيل والكي، أثناء حديثها كانت تنظر للخلف كأنها تطمئن على أدائها، التفتّ حيث تنظر، وجدت امرأة شابة حسناء مستديرة الوجه والعينين، بيضاء ترمقني في خجل، سارعت بسحب بنطال وقميص من مسماريهما على الحائط، وأعطيتمها للطفلة وما إن استدارت وأغلقَت الباب الصغير حيث إنه كان يغلق من الخارج، سرحت في ما سيأتي....

تخيلت أن المرأة القاهرية الحسناء سيعجبها شباب الصعيد النازح، وتعيد معي قصة رواية شباب امرأة، غير آبهٍ بما فعله البغل والرحى بالبطلة... وانغمست في خيالاتي.. أعدت قراءة بعض الجمل والصفحات في الكتاب الذي كان معي وقتها عدة مرات.

حتى أن جاءت الطفلة بالملابس، أخذتها ورقبتي النحيلة تتسامق لعلها تلمح الأم الحسناء، لكني أغلقت الباب بعد خيبة أمل.. أعقبتها خيبة أمل أخرى حين طرقت الطفلة الباب ثانيةً لتطالب بأجرة الغسيل والمكوى وقد كنت أحسبها خدمة مجانية.

***

 

زارني أحد أقاربي وزميل دراستي في الثانوية، الغريب أنه لم تكن هناك موبايلات في ذاك الوقت، حينئذ كنا نجد أحباءنا وأصدقاءنا دومًا، لم نشعر بهذه الوحدة وهذا الافتقاد الذي نشعر به الآن ونحن نرى أخبارهم كل يوم ولكننا لا نجدهم، كان يحب السياسة وكنت مهتما حينها، اصطحبني إلى ندوة في حزب التجمع في نفس مكانه الحالي، وكان موضوعها الحصار الليبي وقضية لويكربي، وأذكر أنه بعد الندوة خرجت مظاهرة قصيرة وصغيرة إلى شارع طلعت حرب، وكنت في الصف الأول، نشرت وقتها  صوري وأنا أرفع يدي كمناضل وكنت بقميص أزرق (أفتقده كثيرًا الصراحة). في إحدى جرائد المعارضة التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.

بعد المظاهرة، سرت مع صديقي في شوارع وسط البلد حتى اصطدمنا بفتاتين، لا أدري.. ما الذي لفت نظر مرافقي إليهما بالذات؟

إلا أنه جذبني وسار خلفهما يغازلهما، يسبّانه تارة ويضحكان له تارة، وأنا أستحثه على التوقف والكف عن العبث معهما، وأنا كمن يذود عنهما بجمل متناثرة ك (يا أخي اعتبرهما اختيك، أو اتركهما لحالهما ودعنا نجلس)، ولكنه يُصرّ على جذبي، حاولت التملص منه وانتظاره ولكن إصراره وخوفي أن أفقده في الزحام كانا دافعاي للاستمرار في رحلة خانقة ومؤلمة لنفسي، وهو على حاله من المغازلة السمجة - من وجهة نظري -، وهما على حالهما من الاستجابة والضحك تارة، والسبّ واللعن تارة أخرى، وأنا على حالي من مطالبته بالرحمة لهما ولي، يصعدان الأتوبيس يصعد وراءهما، ينزلان ينزل معهما، إلى أن نظرت إحداهما نحوه قائلة وهي تشير نحوي: (طالما معاك صاحبك دا، ربنا مش هيفتح عليك)... كان درسًا قاسيًا لي، ونكتة لم يتوقف صاحبي عن تذكيري بها، وما زلت لم أتعلم الدرس.

***

 

كنت سعيدًا بالسكن بالقرب من العتبة ووسط البلد وخاصة أن جامعة الأزهر كانت على مقربة من المكان، لم أذكر أني استعنت بأية وسيلة مواصلات آنذاك في تنقلاتي، وقد كنت شغوفًا بشوارع نجيب محفوظ التي وصفها في رواياته فتسكعت كثيرًا على مقاهي مصر القديمة وحي الأزهر والحسين وشوارع وحواري وأزقة الغورية حتى ضللت طريق العودة ووجدت نفسي في شارع طويل بلا مخرج، كان الجالسون على المقاهي والطرقات يرمقونني في ريبة، حتى استوقفني أحدهم وسألني "عايز تروح فين" ، اكتشفت أنني أسير في منطقة الجيارة التي كانت مأوى لتجار المخدرات والخارجين عن القانون، والشارع مغلق في نهايته ولا يرتاده إلا أهله، وأحيانًا كنت أستقل مواصلة، بلا هدف محدد.. فقط لأستمتع بالفرجة على الناس من خلال النافذة.

وكما بحثت عن زقاق المدق وبين القصرين وقصر الشوق والعباسية، كذلك بحثت عن حلمية أسامة أنور عكاشة ولكنني لم أجد زينهم السماحي، ولا على البدري، وكنت أعرف أن مكتب يوسف شاهين في شارع شامبليون.. وكثيرا قطعته ذهابًا وإيابًا.. أتفحص الوجوه، ولا أتخذ قرارًا جديًا في فعل شيء.

كنت ألف وأدور.. دون أن اسأل، مشكلتي الكبرى أنني لم أكن أحب الاستدلال أو السؤال، كنت أترك قدمي تسير بلا دليل وكم من مرة وجدتني أعود لنفس نقطة انطلاقي ومرات أجد نفسي في باحات واسعة، فأسأل أقرب رفيق طريق أين أنا؟ و كان يغيظني دومًا أن سؤالي دائما يجاب عليه بسؤال: (انت عايز تروح فين؟) ما كنت أحب أن أسأل عن طريق العودة، فقط أقوم بعمل للخلف در وأعاود السير حتى يجن الليل، حاولت اللقاء بنجيب محفوظ نفسه، ولكني في كل مرة أشعر بالخجل وخيبة الأمل التي من الممكن أن تصيبني لو التقيته ولم يعجبني اللقاء أو تجاهلني خصوصا وأنه كان قد مر عامان على حادثة طعن عنقه الشريف بمِدية، كنت أتخيل اللقاء في شارع أو في مقهى "علي بابا" أو "مقهى وادي النيل" وكنت أجلس عليه دائمًا، اصطحبت ذات مرة زميل دراسة يشرب معسل سلوم، وكان يحتفظ بباكو المعسّل معه كي يضع تزويدة.. ولم يكن يعلم أن ذلك ممنوع في مثل تلك المقاهي، حين رآه النادل ظهر على وجهه الغضب الشديد وكان أسمر سمار أهل النوبة، وكانت عادته الابتسام دائما، لم يتفوّه النادل الغاضب بكلمة فقط أشار بذراعه الممدودة وأصبعه السبابة إلى خارج المقهى، وبدون أن أنطق تأملت ملامح رفيقي المندهشة حدّ البلاهة.. وأنا أكتم ضحكتي واصطحبته إلى الخارج.

***

كان يحيى الفخراني بدأ يصعد نجمه وينافس نجوم الشباك بعد نجاح ليالي الحلمية وخاصة الجزء الثالث منها، وحين عرضت عطوة أبو مطوة في المسرح القومي، كانت فرصة وجدتها سانحة لي لأراه عن قرب، وأرى المسرح القومي طبعا، كانت التذكرة تقريبا ب خمس جنيهات، وكنت قد اعتدت أن أخرج من منزلي في الهرم (للسكن قصة أخرى.. ) ب خمس جنيهات فقط، أستقل بها الأتوبيس من الهرم للدراسة، وأفطر بها وربما كفت لتناول الغذاء، مسألة الأكل لم تكن تعنيني الحقيقة ربما يمر عليّ يومان أكتفي فيهما برغيف طعمية واحد، وكنت أعود كل يومٍ بحصيلة لا بأس بها من كتب ومجلات سور الأزبكية، كل هذا بالخمس جنيهات التي دفعتها راضيا لحضور مسرحية عطوة أبو مطوة، وإن كنت لا أذكر شيئًا منها الآن غير شنب يحيى الفخراني الأسود وتحيته للناس في شوارع العتبة وهو يخرج يده من سيارته وعلى وجهه ابتسامته الطفولية المعروفة، وكذلك أذكر من تفاصيل المسرحية شعر رانيا فريد شوقي الطويل،

المهم ومن أجل المسرحية (بحبحت) المصروف لنفسي ومنحتُني عشر جنيهات وبما أن نجمي كما يقولون خفيف ولا يحسد المال إلا أصحابه، بعد خروجي منتشيًا من المسرحية صدمتني سيارة مسرعة في أصبع يدي الإبهام، أي والله هذا ما طالته مني ولا أدري كيف، ثم وأثناء سيري بمحاذاة حديقة الأزبكية في اتجاه وسط البلد تعرضت لحادث نصب نجوت منه بأعجوبة وأنا أشفق على النصاب المدهش وحبكته الدرامية وإخفاقه بسبب إفلاسي، حادثة النصب تلك كانت في منتصف التسعينيات، لكن عالجها المخرج الراحل محمد خان في فيلم اسمه "كليفتي" في عام ٢٠٠٤، من شاهده سيدرك موهبة هؤلاء النصابين ومهارتهم.

***

لم أشرب في حياتي كوبًا من الشاي بهذا الطعم الرائع المنضبط كأنه صنع ليشفي الروح والعقل (ويعدل المزاج حقًا) الذي كانت تعده جدتي لأمي، غير ذلك الذي شربته على مقهى صغير في حارة ضيقة متفرعة من شارع "كلوت بك"، كان صاحبه مُسنًا نحيلًا.. قصير القامة، أهتم الأسنان.. وكان شبه مهووسا بتعديل الكراسي، بعد كل طلب يصنعه بنفسه، ويقدمه بنفسه أيضـا يقوم بإعادة تنظيم الكراسي بحركة عصبية سريعة حتى تلك التي لم يجلس عليها أحد، وكان آخر كوب شاي أشربه عنده وشنطة سفري تحت قدميّ استعدادا للانتقال لسكني الجديد الذي اتفق عليه والدي - رحمه الله - وصديقه الأستاذ عربي، بديلًا عن سكني في سكن مجاور للجامعة وكانت أجرته آنذاك خمسة وثلاتين جنيها، وكنت قد تقاعست متعمدًا عن التقديم في المدينة الجامعية لشيء ما في نفسي.

وجاء الأستاذ عربي واصطحبني معه، وكلما سار بنا الميكروباص ينقبض صدري أكثر، فالمسافة طووويلة بين "العتبة" و"الهرم"، ورأسي يقلّب الأحلام بمعلقة الممكن والمستحيل، حتى وصلنا إلى مدينة النور، في محطة الطوابق ب "فيصل"، وكانت حديثة النشأة، تعج بالعشوائية وقتها ولم تكن بذلك الازدحام الذي رأيته بها، بعد خمس وعشرين سنة، عند عودتي إليها زائرًا.

كان بيت الأستاذ عربي عبارة عن دورين، بالثاني شقتان وبالدور الأول، على اليسار مندرة فسيحة مليئة بالكراكيب وبقايا تجهيزات البناء، وفيها كان سكني بعد أن قضيت يومًا كاملًا في مسحها وغسيلها وتجهيزها.

***

استقرّ بي المقام في بيت الأستاذ عربي، بلا مؤونة ولا أدوات مطبخ، حتى المياه كانت غير صالحة للشرب، وقد دلني الأستاذ عربي على حنفية المياه العذبة في مسجد يقع غير بعيد من المنزل، ولا توجد أيضًا أي أداة تسلية سوى ما أبتاعه من سور الأزبكية من كتب ومجلّات، والحقيقة كنت يوميًا، وبعد انتهاء محاضراتي المنقوصة غالبًا، إلّا محاضرة الدكتور المحترم نشأت عبد الجواد ضيف - رضي الله عنه -، التي كنت أصرّ على حضورها ومناقشته مما يثير حفيظة الزملاء دائمًا، كنت يوميًا أعود سيرًا من جامع الأزهر بالدرّاسة مرورًا بالعتبة ودائمًا أعرج على سور الأزبكية، ودائمًا أعود بحصيلة.. لا أذكر أنني ندمت على كتاب واحد أو مجلة واحدة حتى مجلة اليونسكو (وهي مجلة من فترة الستينيات مترجمة من الروسية إلى العربية)، حتى أستقل ميكروباص فيصل الذي كان يقف أمام مجمع التحرير آنذاك، وأذكر أنني اشتريت ذلت مرة بكل ما معي من نقود، وحين انتبهت أنني لا أملك ثمن أجرة الميكروباص. حاولت إقناع نفسي الأمّارة بإرجاع كتاب مما جمّعته على مدار ساعتين وأنا أجثو على ركبتي أقلّب في الكتب القديمة، خاصة وأن فرصة وجود نفس الكتاب في اليوم التالي صعبة، لكن كانت رأس نفسي أنشف من الحجر فلم تقتنع، بينما اضطررت للعودة من العتبة إلى محطة الثلاث طوابق سيرًا على الأقدام، ولا أدري كم المسافة بينهما ولكن أذكر أنني وصلت المنزل بعد صلاة العشاء.

***

 

بيت الأستاذ عربي كان دورين والسطح، الدور الأرضي مندرة على الشمال، وحمام على اليمين، وباب البيت من سياج حديدي يغلق  بجنزير، وكنت كما ذكرت سابقا أقيم في المندرة بعد أن أعددتها للسكنى، استصلحت بقايا الأثاث القديم، فصارت لي كنبة أنام عليها وكرسي فوتيه كنت أخبئ في ظهره السجائر الفرط، رغم أنني كنت وحدي طوال الوقت، أقضي الوقت  ما بين قراءة القرآن والكتب القديمة، لم أعرف من الجيران حتى وجوههم، ورغم ذلك كانوا يعرفونني.. شهادتهم  شفعت لي أمام اصحاب البيت وكنت قد التقيت بالأب والابن الآخر الضابط بالجيش، والأخت الصحفية الشهيرة، لأنتقل للسكن في إحدى شقق المنزل، وكانت مجهزة للسكن بأثاث معقول، والتشطيب يقارب من (الفاخر)، وربما شهادتهم أيضًا دفعت الأستاذ عربي ليعرض عليّ شراكته في مطعم مجهز للفول والطعمية أسفل البيت ولكن كان والدي يحرص على عدم تشتيتي وانشغالي عن الاستذكار.

 في تلك الفترة تعرفت على قلة من شباب البلد النازحين للعمل في الفاعل، وكان لبعضهم الفضل في إلحاقي بالعمل معه، فعملت في حفر الشوارع حين كان حفرها يتم من وراء الحكومة ليلا، وكذلك في تشوين حمولات سيارات النقل العملاقة التي كانت تحمل المواد الخام للمصانع وكنا نخزنها في مخزن كبير على شارع فيصل، أعتقد احتل مكانه الآن مطعم المنوفي والمطاعم المجاورة له، وكذلك عملت في تشوين الرمل والطوب ولكنني لأسباب كثيرة لم أستمر، وكنا أوقات الفراغ نتسلى بلعب الشطرنج، حيث كان أحد أصحاب العمل حاصل على كلية حقوق، وكان دمثًا خلوقًا خجولًا ربما أكثر خجلا مني، وكان طموحا أيضا ولكنه بعد قرابة ال ٧ اعوام التقاني بعد غياب طال، وقد حقق حلمه ووعدني بزيارة قريبة نعيد فيها ما مضى ونجتمع على دور شطرنج يدوم بالأيام كما اعتدنا، ولكن للقدر كلمة ودائمًا كلمته تمضي وتبقى، توفي صديقي حربي بعد أن بدأ في تحقيق حلمه عن أسرة صغيرة ربما كانت تنظر للحياة بأمل، ومن الصدف الغريبة أن الصديق الآخر الذي وقف جانبي ودعمني وكان يؤثرني ويوقظني من النوم في عز الشتاء إذا ما وجد فرصة عمل متكلفا مشوارا غير هين ومجهود جبار ليصنع من الحصوات الصغيرة على نافذة غرفتي في الدور الثاني منبها خافتا حتى لا يزعج الجيران، هذا الصديق كان أيضًا يحمل اسم حربي، وعرفت أنه ايضًا رحل عن الدنيا في ريعان شبابه أثناء إقامتي في إحدى دول الخليج.

***

كنت والمرحوم حربي فواز، نلعب الشطرنج ربما يطول (الدور) أيامًا متتالية، يقطعها وقت العمل ووقت الجامعة، ووقت الأكل، حيث كان حرّيفا في صنع المكرونة الاسباجيتي، وكان رغم أنه يكبرني بأعوام أكثر دماثة وخجلًا مني، وكان وجهه الأسمر الوسيم  يحمر  سريعًا، وكان هاديء الأعصاب طموحا ناجحًا في عمله، وفيًا لأهله وأقاربه، أحاطهم جميعًا به في عمله كبيرهم وصغيرهم.

في عصر أحد الأيام، كنا على وشك الانتهاء من (دور شطرنج) استمر ثلاثة أيام تقريبًا، والأعصاب جدًا مشحونة، نودي من المسجد القريب لصلاة العصر، وكنا نؤدي الصلوات على وقتها، وكان ما بين الأذان، وإقامة الصلاة، ما لا يقل عن ثلث الساعة، إلا أن أحد أقربائه وكان ممن تأثروا بالفكر السلفي الذي كان منتشرا وقتها في منتصف التسعينات، قبل حادث أديس أبابا الذي أعقبته حملة واسعة من الاعتقالات العشوائية، كان قريبه يستحثه على القيام من فوره لتلبية الأذان، بينما المرحوم حربي يهدئه بكلمات لينة (ما زال في الوقت متسع واني على وضوء فلا تقلق) إلا أن صاحبه والذي كان أصغر منه سنًا، ضرب بيده رقعة الشطرنج وتشتت جيشانا المتأهبان منذ أيام، مما أثار حفيظة حربي، وجعله يقسم أنه لن يذهب لصلاة العصر مع صاحبه.

ذكَّرني هذا الموقف بآخر، وكنا نصلي المغرب في أحد المساجد الذي يسيطر عليه جماعة سلفية ايضًا، وبمجرد ان سلّم الإمام، أغلقوا الأبواب من كل اتجاه وعلى كل باب وقف أحدهم، وبيده عصا، بينما انبرى أحدهم يوزع الحلوى، والآخر يخطب  في الناس من أراد الله فالله هنا فابقوا، ومن أراد الشيطان فهو خارج هذه الأبواب، كان أحد المصلين صاحب مخبز وبقالة في الحي، ولا يكاد يجد وقتًا للراحة، وحاول أن يقنعهم أنه يواظب على الصلاة ولكن العطلة هذه ليست في صالحه وصالح أعماله، واحتدم الجدال بينهما حتى قال للشاب الملتحي الذي يخطب، (أنا يا سيدي مصاحب الشيطان وعايز أروح له) ولكن هيهات، استمر حبسهم للمصلين حتى صلاة العشاء والاستماع للخطبة.

تعليق عبر الفيس بوك