فاطمة الحارثي
تبلغ نسبة العمالة المقيمة في ربوع السلطنة أكثر من 45% من إجمالي عدد السكان حسب إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، لن أتطرّق لمخاطر وتبعات ذلك سياسيا ولا تحديات الوظائف أو ارتقاء مناهج التعليم أو حتى الاستثمار الفكري وبلورة الثقافة والنهج. كما ولست في مقال أثر تدني غالبية هذه العمالة تعليميا وفكريا على المكتسبات والرقي الاجتماعي في مجتمعنا؛ فللاختلاط أحكام وآثار ولا نجدها حميدة أو ذات جودة.
جُل محتوى ما سنتناوله في مقال هذا الأسبوع هو بعض جوانب الأثر البيئي لهذه النسبة العالية جدا. حسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يتمركز في محافظة مسقط حوالي 45.2 من العمالة المقيمة أي يشكلون نحو 64% من مجموع سكان مسقط؛ بمعنى تقريبي ما نسبته من 64% من مخلفات مسقط مصدرها عمالة مقيمة طبعا إن أضفنا الزوار فنحن نتحدث عن رقم وقدره!.
نعلم جميعًا أنّ أرضنا نقية والتلوث فيها ليس مهولا مقارنة بالدول الأخرى؛ هذا إذا جانبنا المقارنة الصناعية ودول أخرى في المقابل إن قمنا بالمقارنة البيئية مع نسب النقاء والصحة ندرك أننا بصدد الانجراف لما قد لا يُحمد عقباه مستقبلا. ربما ينظر البعض إلى الموضوع على أننا أرض شاسعة يقطنها تعداد سكاني صغير جدا حوالي 5 ملايين نسمة لا يُعد أمرا مقلقا (إن قمنا مرة أخرى بالمقارنة) لكن استهلاك المصادر وإهلاك المال العام أمر يجب إعادة النظر إلى هذه المعادلة. فالدولة تصرف الملايين من الريالات في معالجة نفايات من عليها وإذا كان أكثر من 45% إجمالا و64% في مسقط من غير مستحقي الدعم الحكومي فتلك مسألة وجب دراستها من قبل الجهات المعنية بعمق أكبر.
لابد من حلول مثالية ومنهجية تتناول الوضع الراهن والمستقبل عند التعامل مع هذه الحقائق وهذه النسب، وأيضا تغطية تكلفة الأمن والسلام والخدمات الكثيرة المقدمة للمقيم والزائر، أيضا خدمات التعامل مع هذه الفئات خاصة بعد تجاوز عدد لا يستهان به حدود الإقامة الصحيحة والسلمية. وأيضا النظر إلى المدد التي تعطى للمقيم، فالكثير منهم أستطيع أن أقول إنّه "مقيم دائم".
لم تخلُ حياتي من مواقف كثير مع بعض من المقيمين "الأبديين" لدينا، وتجاوز البعض منهم لحدود ما تم سنّه في اشتراط استقدامه إلى السلطنة، بل بلغت وقاحة البعض أن ينافس العُماني ويكيد له كي يُزيحه من عمله ليبقى هو، سألت بعضهم خاصة من صدمني بإقامته لأكثر من عشرة أعوام عن سبب عدم عودته إلى وطنه بعد إتمام مدد عقده أكثر من خمس مرات فأجاب "لست مجنونا لأعود إلى بلادي غير النظيفة، وغير الآمنة، بلادكم جميلة جدا وإن كانت حارة لكن أستطيع أن أنسى باب منزلي مفتوحا دون قلق، وما اتقاضاه هنا من المستحيل أن اتقاضى ربعه في بلدي بالإضافة إلى الضرائب الفردية وبلادكم خالية منها." طبعا لن أدون هنا رد عامل مقيم من دول أوربا لأنّه يحتاج المتلقي أن يكون من كاظمي الغيظ ليحتمل ذلك. قد يتساءل البعض كيف استطاعوا أن يتحدثوا إلينا بهده السلاسة وبكل هذه الثقة "نحن أي العمانيين لا نشكل خطرا عليهم - حسب أقوالهم- فكلمتنا أمام من سيّدهم علينا بلا قيمة" وغالبية من يعملون ويتعاملون معهم على دراية بذلك.
عندما تمّ الإعلان منذ بضعة أشهر عن المليارات التي يُهجرها الوافدون سنويا خارج السلطنة هاج البعض وأزبد البعض الآخر وتفلسف بعض آخر، الغريب أن مئات المقترحات والحلول تم طرحها بعضها غريبة جدا مثل توطين الوافدين بقبول استقدام أسرهم وكأنّ البلاد بحاجة إلى تضخم سكاني أجنبي إضافي، وكأن المال الذي يتم تحويله ليس من أموال البلاد! وبدل النظر إلى رواتب هؤلاء وإعادة دراستها لوضع حد أقصى من أجل موازنة تسمح بتوظيف العمانيين ومنحهم أبسط حقوقهم "فرصة العمل والتدريب والتطوير" أو حتى فرض ضرائب مباشرة عليهم لسداد ولو جزء بسيط من التكاليف الخدمية التي ينالونها، تم مجانبة استقدام الأسر وفتح مجال التمليك التجاري دون وضوح أو بيان لوضع العُماني في هذه المنظومة، وزيادة المسؤولية على الجهات الخدمية دون مقابل.
إنّ بعض الدول الاستثمارية الكبرى إن لم يكن كلها، تنظر إلى الأجنبي كسهم استثماري، تفرض عليه الضرائب المختلفة حتى الشخصية إن أراد العمل والإقامة على أرضها أو حتى زيارتها، ولا تتوانى عن إجهار تلك الضرائب، أي ليست كلها في الباطن، فهم أي الأجانب بنظرهم وخاصة بعد تجربتهم الطويلة في ذلك يمثلون سلاحا ذا حدين، قد ينفعون البلاد وقد يوقدونها نارا مثل نار الإرهاب أو الفساد أو العصابات؛ فينأون بأنفسهم ويقلصون الأخطار بالاحتفاظ بالأجنبي النافع القادر على الالتزام والإسهام بمصلحة البلد ماديا وفكريا واجتماعيا.
رسالة
لن يستطيع الإنسان العاقل المتزن العطاء بتفانٍ إن شعر بالتميز في المعاملة، السلطوية ونهج الانصياع الذي يلبسه معظم الأجانب (ويفضله أغلبية المسؤولين) لا يصب في مصلحة الإنتاج والابتكار والتطور، لأنّ الأمور تنتهي بأجانب آخرين يتم استحضارهم كشركات استشارية لانعدام المنفعة الوطنية عندهم والولاء. نحن لا نرفض وجود الأجانب لكن لابد من الضبطية من أجل الصالح العام. وزيادة تكاليف استقدامهم ليست حلا خاصة في المؤسسات والشركات الحكومية لأنّ المال عام.
أين العُماني في هذا الخضم؟ اعتقد مازال يبحث عن عمل وفرصة.