اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في ضوء رؤية عمان 2040

 

خاتمة بنت علي الرشيدية

 

تنطلق رؤية عمان 2040 من مجموعة من الموجهات، في مجال التعليم والاقتصاد والتراث وغيرها من الموجهات التي ترسم الصورة المستقبلية لهذ الوطن، والتي جاء اعدادها كترجمة واضحة للأوامر السامية التي أكدت على أن تصاغ بدقة تامة، وفق مشاركة مجتمعية مستوعبة للواقع الاجتماعي والاقتصادي، ومستشرفه للمستقبل؛ بحيث تكون هذه الرؤية هي المرجع الذي تبنى عليه أعمال التخطيط في العقدين المقبلين، لذلك تم إعداد هذه الرؤية لبناء "مجتمع معرفي ممكن، معتز بهويته وثقافته"، وهذ الاعتزاز بالهوية والثقافة لا يتأتى إذا لم يتم تسليط الضوء على هذين الجانبين الملتحمين حد الاندماج، وزيادة مستوى الوعي بأهميتهما في تشكيل الشخصية العمانية المترعرعة في بيئة تراثية الملامح وجدران شكلت ديكوراتها من تصاميم خزفية دقيقة الصنع، شخصية غفت أعينها على "خروفة" الأجداد، واستيقظت على ايقاعات "الرحماني" و " الكاسر "، فتحترم رؤية عمان 2040 هذا التكامل بين الشخصية العمانية والتراث، لتضع من بين أولوياتها الوطنية "المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية".

وحين انضمت عمان إلى اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2005، كان المحرك الأساسي لها، المواطنة، التي لا زال التراث، يشكل جزءا هاما في رفع نسبة الشعور بها، والتي تتصارع مع نفسها ، في محاولة للبقاء والاستمرار، في عالم متسارع ، يتشكل وفق متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، المتطلبات التي تعرض هذا التراث الثقافي غير المادي " لأخطار التدهور والزوال والتدمير، لاسيما بسبب الافتقار إلى الموارد اللازمة لصون هذا التراث"، والذي تعرفه الاتفاقية على أنه "الممارسات أو التصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، ما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات، وأماكن ثقافية التي تعتبرها الجماعات والمجموعات وأحيانا الأفراد جزءا من تراثهم الثقافي"

تأتي أول أهداف رؤية عمان 2040 في مجال المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية في بناء مجتمع يعمل على "المحافظة على تراثه، وتوثيقه ونشره عالميا"، وهذه المحافظة ترجمتها الاتفاقية في مجموعة من التدابير التنفيذية التي بإمكانها المساهمة بشكل جيد في صون التراث الثقافي غير المادي، إما من خلال "اعتماد سياسة عامة تستهدف إبراز الدور الذي يؤديه التراث الثقافي غير المادي وإدماج صون هذا التراث في البرامج التخطيطية" ، وأعتقد بأن الأجيال القادمة تحتاج إلى استيعاب هذا الدور وأهميته ودلالاته، لتستطيع أن تسهم في المحافظة عليه، أو من خلال "تعزيز مراكز التدريب على إدارة التراث  الثقافي غير المادي ، وتيسير نقل هذا التراث من خلال المنتديات، والأماكن المعدة لعرضه والتعبير عنه"، ووجود مثل هذه المراكز يعتبر حاجة ماسة جدا لصون التراث الثقافي غير المادي؛ كونها تضمن تلقي المجتمع للبرامج المعرفية والمهارية بشكل متكافئ في مؤسسات التدريب، وتضمن كذلك تلقيه لنفس الجرعة التدريبية من المقترحات التي قد تسهم في صون التراث الثقافي غير المادي، والاستفادة كذلك من المقترحات التي يقدمها المجتمع، كونه المستفيد الأول من استمرارية هذا التراث في وطنه.

ومن بين أهداف رؤية عمان 2040 "استثمار مستدام للتراث والثقافة والفنون، يسهم في نمو الاقتصاد الوطني"، وهذا الهدف سليم جدا في ظل التوجه الاقتصادي الحالي في تنويع مصادر الدخل القومي، والذي بدأ يستثمر في موارده الطبيعية وينظر إليها من زاوية اقتصادية ذكية، ولذلك كان من بين التدابير التي وضعتها الاتفاقية لصون التراث الثقافي غير المادي "إنشاء مؤسسات مختصة بتوثيق التراث الثقافي غير المادي وتسهيل الاستفادة منها"، ولعل الدور الذي تمثله جمعيات المرأة العمانية في ولايات السلطنة المختلفة، لعبت دورا مميزا في هذا الجانب، من خلال حصر الفنون والأشغال التراثية البارزة في الولاية، وتدريب مجموعة من الأسر المعسرة على اتقانها، بحيث تستطيع أن تستثمرها في إيجاد مصدر دخل مرضي للأسرة، وأكدت الاتفاقية على "احترام الممارسات العرفية التي تحكم الانتفاع بجوانب محددة من هذا التراث"، لذلك كان التأكيد على الحفاظ على هوية المنتج، وعدم التدخل الكبير في تغيير ملامحه، حتى لا يفقد التراث أصالته وعراقته العمانية.

ذلك كان عرضا مبسطا للخطوط المشتركة بين رؤية عمان 2040 واتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، ما يبرهن على أن السياسة العمانية تبني مشاريعها وتحركاتها الاقتصادية في هذا البلد بشكل متكامل مع جميع الاتفاقيات التي تشارك بها في القطاعات المختلفة، ليدرك أبناء هذا الوطن، أنهم الركيزة الأساسية التي تنطلق منها رؤية البلد واتفاقياته.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك