فيلم الجوكر.. جرس الإنذار المزعج

 

ريم اللواتي | مسقط

 

"ا لجزء الأسوأ من الإصابة بمرض عقلي هو أن الناس يتوقعون منك أن تتصرف كما لو كنت لا تفعل" (جوكر)

في الحقيقة كنت قد قررت أن لا أكتب عن فيلم الجوكر حتى لو شاهدته لأنني لا أحب ركوب الموجة الجماعية والدخول في بندولات لن تخدمني؛ لكن الذي حصل بعد مشاهدتي الفيلم كان غير متوقعا أبدا حتى لي، كنت في دهشة من السيل السلبي العارم عن الفيلم، لقد دخلت الفيلم بتوقعات سلبية كثيرة ولكني فوجئت بنفسي أمام سيناريو مهم جدا يستحق التوقف والنظر بعمق إلى نتائج التداعيات النفسية وتأثيرها على السلوك الإنساني والذي يتجاوز الضرر الشخصي ليصل إلى الضرر المجتمعي وبناء أسر ينخر فيها دود المعاناة النفسية.

في كل منزل يمكننا صناعة جوكر مصغر أو جوكر أكثر خطورة مما رأيناه في الفيلم، مع كل طفل معنف، مع كل طفل مُهمل، مع كل طفل يتعرض للتنمر أو التحرش وإلخ من صدمات الطفولة هنالك جوكر صغير يُبنى، وإن أردتم رأيي فعلى كل الآباء والأمهات مشاهدة الفيلم لمعرفة ماذا يمكن أن تفعل التربية والتنشئة في الطفل، كل أب وأم يخشون الفضيحة من الذهاب إلى أخصائي نفسي أو طبيب نفسي لعلاج صدمة نفسية ويعتقدون أنها إحدى سبل المحافظة على طفلهم، نحن نفتخر بأمراضنا الجسدية وربما حتى نرفقها مع أسمائنا وإننا حاربنا ونجحنا ولكننا ندير الظهور لأمراضنا النفسية وهي التي قد تكون من أول مسببات أمراضنا الفيزيائية، نخشى أن ننصح أحدهم بزيارة أخصائي نفسي لأنه من الممكن جدا وحتى في العام ٢٠١٩ أن يرد عليك أنا لست مجنونا! نقطة مهمة لفتني إليها الفيلم وهي تدرج الخلل النفسي للجوكر والذي بدأ من الطفولة وكيف كان من الممكن تدارك وجود مجرم في المجتمع لو أنه تم الانتباه مبكرا للأمر من الجهات الرسمية للتبني أو حماية الطفولة أو نحن كأباء وأمهات حين نلاحظ سلوكا مختلفا لدى أطفالنا كيف يمكننا بقرار صغير منا تغيير حياتهم وهذا أمر شهدته ورأيته شخصيا من تجارب عملاء لآصدقاء يعملون في الصحة النفسية.

إن شاشة التلفاز، وألعاب الهواتف والبرامج المتاحة اليوم تحمل عنفا أشد و أمرّ مما حمله فيلم الجوكر ودون رسالة حقيقة سوى رفع مستوى الادرينالين، لست مع العنف ولا أدافع عنه بحديثي من هذه الزاوية عن الفيلم فالمجرم قد نال الجزاء المطلوب في نهاية الفيلم ولكنني أتفحصه من جهة اخرى.

أخيرا غالبا ما نقول إن ما يحدث في الخارج انعكاس للداخل فإن كان الفيلم قد آلمك فاسأل نفسك ما الشيء الذي تحرك فيك وآلمك! لا تتعاطف فقط؛ ولكن شاهد كمراقب واذهب عميقا برؤيتك للاشياء.

 طبعا من حقك أن لا تشاهد و أن تحافظ على طاقتك ولكنني أردت أن أنصف الجانب المنسي من هذا السيناريو المبدع على صعيد البناء النفسي التراكمي واللحظات الصاعدة التي قد تحول إنسانا يعاني من مرض نفسي إلى مجرم! فمن حق المريض النفسي علينا اليوم أن ننظر إليه كالمريض مرضا جسديا لا أن نخجل منه ونخبئه ونخشى أن يعرف أحدهم أن في داخل هذا المنزل مريض يجلب الفضيحة أو الخجل!

إنه إنسان تماما مثل المصاب بمرض عضوي والخلل ليس فيه إن كنّا لا نزال لا نستطيع أن نصل إلى الحد الأدنى من الإنسانية والتقبل والفهم.

أعرف أنني تجاوزت الكثير سواءً إبداع خواكين وتقمصه الرائع للدور المكتوب له والذي يستحق عليه الأوسكار فعلا، السيناريو المثقف والمتدرج، والإخراج وهذا العمل المتكامل على الصعيد الإنساني والفني، ولكنني أردت إلقاء الضوء على جانب مهم في رأيي عن الفيلم.

تعليق عبر الفيس بوك