الكسول

جابر حسين العماني

 

كثيرة هي الظواهر التي باتت تقضُّ مضاجعنا وتجتاح واقعنا الراهن ومنها ظاهرة الكسل، هذه الظاهرة السيئة التي قد تصيب الإنسان جسدياً ونفسياً، وقد أصبحت اليوم مشكلة رئيسية يعاني منها الكثير من أبناء المجتمع الواحد، حيث أصبح البعض يشعر بالتعب والخمول وقلة النشاط فانعدمت بذلك فرص التألق والنجاح والإبداع المجتمعي لدى البعض. هذا وللكسل أنواع عديدة فمنها الكسل الجسدي، والكسل الذهني وكلاهما لا يعودان على الإنسان إلّا بالخيبة والفشل.

إن الكسل إذا أصاب أمة أضعفها وأخرّها وجعلها من الهالكين، وإذا أصاب شعباً أخزاه وجعله من الجاهلين، وإذا أصاب فرداً دمره وجعله من المتخلفين، فترى الإنسان المبتلى بالكسل لا يفكر في الحياة إلّا بالأكل الكثير والنوم الطويل، وهذا ما ذمه الإسلام وحاربه حيث تجد الإنسان الكسول في تعاطيه وكلامه مع الناس ساذجاً، ومخالطته لهم محدودة لا فائدة منها، فهو لا يعتني بالمفيد ولا يقف عند القول السديد، فقد أغرته الحياة بملذاتها، واجتذبته بشهواتها، فبدأ ينهل منها من غير حسيب ولا رقيب

إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ

وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ

فِي كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوب غداً

وَعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحْلُولُ

أما يُرَى لَكَ فيما سَرَّ مِنْ عَمَلٍ

يَوْماً نَشاطٌ وعَمَّا ساءَ تَكسِيلُ

 

يتصف الإنسان الكسول بصفات ذميمة مثل: الفوضى وعدم الترتيب، وعدم الاهتمام بالمسؤولية الملقاة عليه، وطغيان الفشل الدائم على حياته الأسرية والاجتماعية، لذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه واله وسلم يقول: "اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن العَجْز، والكَسَل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك مِن عذاب القبر، ومِن فتنة المحيا والممات".

هذا وقد تعرّض القرآن الكريم لظاهرة الكسل وذكر لها نماذج من الواقع الاجتماعي للإنسان نذكر منها:

  1. الصلاة:

قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} النساء:142.

  1. النفير في سبيل الله: قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) [التَّوبة 38:. اثاقلتم أي: تكاسلتم
  2. الإنفاق: قال سبحانه وتعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) التوبة: 54.

إنّ الثقافة الاستهلاكية التي من أهم مصاديقها البرامج التلفزيونية وبرامج التواصل غير المدروسة والتي باتت تصنع لنا بشراً اتكالياً كسولاً لا يهتم بعباداته ومعاملاته، لا يعرف طعماً للمسؤولية وقيمة للوقت والعمر، وهذا ما نلمسه اليوم من خلال بعض المجتمعات المرفهة التي لا تسعى للرقي والازدهار الاجتماعي

  فقد أظهرت دراسات أُجريت في هونغ كونغ وهي إحدى المنطقتين الإداريَّتين الخاصَّتين التابعتين لجمهورية الصين الشعبية عن الكسل والخمول لدى الأشخاص الذين بلغوا الـ 35 عاماً، حيث تبين أن الكسل بحدّ ذاته أخطر من التدخين، كما وتبين أيضاً في تلك الدراسات أن من يموتون من خطر مشاكل الكسل أكثر ممن يموتون من خطر مشاكل التدخين.

  من هنا نعلم أن الإنسان الكسول لا ينال شرف احترام الخالق والمخلوقين، بل ولا يستطيع الحصول على شرف السيادة في الأسرة والمجتمع لأنه اكتفى بالكسل، ومن يكتفي بالكسل فقط لن يستطيع الحصول على الكمالات الإنسانية التي أرادها الله للإنسان في عالم الحياة.

وهنا لا بد من التطرق الى علاج الكسل وكيفية التخلص منه فيا ترى ما هي الطرق المثلى التي تخلصنا من آفته وبلائه؟ 

 

لا بد أن نعلم أن علاج الكسل هو واجب ضروري على كل فرد أُصيب به، من هنا فإن العمل على علاجه يتطلب بعضاً من الوقت والجهد والصبر، وللتخلص منه، لا بد في بادئ الأمر من رسم الأهداف للقضاء عليه كما قال أهل العلم: " الأهداف من دون خطط أحلام وأمانٍ"، والله سبحانه وتعالى لا يتعامل مع الناس بالأماني، بل يتعامل معهم بالعمل الجاد للتخلص من شرّ هذه الآفة، وهناك حلول عديدة ذكرها الإسلام الحنيف للقضاء على الكسل ومشاكله:

  1. احترام الوقت واستغلاله بما ينفع: 

قال رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم: "لا تزولُ قدما عبدٍ يوم القيامة حتَّى يُسأل عن أربع خصالٍ: عن عمرِه فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"، فعندما يحترم الإنسان وقته ويشغله بما هو خير له فإنه حتماً سيبعد نفسه عن الكسل وأضراره.

 

  1.  الرياضة: 

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيكَ حَقاً، وإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَقاً، ولأهلِكَ عَليكَ حَقاً". وقال. "حَقُّ الولد عَلَى وَالَدِه أنْ يُعلِّمُه الكِتَابَةَ والسِّبَاحَةَ والرِّمَايَة، وأنْ لا يَرْزُقهُ إلاَّ طَيباً

فلا بد أن يعتبر الإنسان أن كل مهمة أُنيطت به، ما هي إلّا تمرين رياضي كلما أنجزه فقد أنجز مهمة تجعله أقوى جسدياً وذهنياً، وهذا ما يجعله شعلة من النشاط الدائم الذي يبعده عن مشكلة الكسل. وعلى الإنسان أن يتذكر دائماً أنه كلما أحاط نفسه بالكسالى فإنهم سيحفزونه حتماً على الكسل والفشل، وبالتالي عليه أن يكون قريباً بشكل مستمر من أهل النشاط والمثابرة والكفاح والنجاح لكي يستطيع أن ينهل منهم معاني القوة والنشاط الإيجابي.

أخيراً علينا أن نعلم أن الله تعالى يريد من الانسان أن يكون شعلة من القوة والجدّ والنشاط الذي يخرجه من ظلمة الكسل والجهل إلى نور العلم والفهم.