المشهد الثقافي الليبيّ.. شهادة من قريب (1)

 

الشاعر والناقد مصطفى جمعة | ليبيا

 

هناك انطلاقة غير مسبوقة بشكل يمكن أن نعتبره طفرة أو صحوة أدبية تحدث اليوم في ليبيا! التغيير الجذرى الشامل الذي شهدته البلاد أحدث انعتاقا فكريا - إن صحَّ القول - من ربقة الأدلجة والتوجه الأحادي الذي ساد في ليبيا لأربعة عقود كاملة.

المشهد الثقافي في ليبيا بدأ يستند إلى قاعدته الحقيقية التي هي الشباب المثقف الواعي المبدع. الذي يكافح الآن للظهور وسط انعدام شبه كامل للمواكبه الإعلامية والدعم المعنوى للأسماء الواعدة وصعوبة النشر والانتشار. وأيضا غياب حركة نقدية جادة ترسم معالم واضحة لطريق الإبداع في المشهد الأدبي.

لذلك هناك "ازدحام" - إن صحَّ القول - في الإبداع المطروح للتلقي اليوم، والذي لاشك يحتوي علي أسماء واعدة وأقلام جادة كان يحجبها عدم ملائمة الوسط والمناخ الثقافي السائد. فما يحدث الآن – برأيي - ليس انعطافة حادة بقدر ما هو تجلٍّ وظهور لمواهب وقدرات فذة كانت دائما موجودة ولكن لم يكن لها صوت!

هذه الأصوات خلال مرحلة الكمون التي مرت بها وظلت حبيستها لعقود كانت مواكبة بصمت للانتاح الأدبي العربي والعالمي ومتابعة لإبداع أدباء العربية وشعرائها الكبار ويحفزها من الداخل الإيمان بحقها في الحرية وحق وطنها في أن ينهض ويسترد ما فقده من حضور ووجود في المشهد الثقافي العربي وكانت هذه قضيته التي آمن بها رغم التحدي الكبير الذي كان ينطوى عليه أي إعلان أو إبداء لها سواء عن طريق الكتابة أو الإعلام . وهما الوسيلتان الوحيدتان التي يمكن التعبير من خلالهما والمسيطر عليهما بالكامل من قبل النظام.

الآن وبعد ثورات الربيع العربي وتوفر مناخ غير مسبوق من الحرية - حرية التعبير- خلق مجالا رحبا وخصبا للجميع تقريبا أن يعبر عن موهبته ويكتب.. خصوصا بعد توفر وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي مثلت بالفعل البديل المنتظر لدور النشر.

وتمكن أدباء وكتاب وشعراء كثيرون من تخطي عقبة النشر عن طريق منصات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات الإلكترونية التى وفرت منبرا بديلا عن الكتاب المطبوع تمكن من خلاله هؤلاء الكتاب والشعراء من نشر أعمالهم وإبداعاتهم.. وكانت قصيدة النثر في الغالب هي الشكل الإبداعي المفضل لدي الأدباء الشباب المفتونين بالشعر الحر ونجومه الكبار الذين حملوا بشعرهم أعباء وطنية وقومية وساندوا قيم الحرية والعدالة في أوطانهم وخارجها بزخم تأخر فيه الشكل الكلاسيكي القديم للقصيدة العروضية كثيرا عن مواكبة القضايا الملحة في زمننا المعاصر وما يحمله من هموم ينوء بها جيل مثقف يطمح للتجديد والانطلاق نحو آفاق جديدة من الحرية تتناسب ومعطيات الزمن الحاضر.

تعليق عبر الفيس بوك