"موسكو تايمز": حان الوقت للمعارضة الأمريكية أن تتعلم من روسيا

مقالة بقلم سام جرين

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

 

من المفارقات، بالطبع، أن يكون التحقيق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واحتمالية عزله قد أشعلتها مكالمة بين ترامب ورئيس أوكرانيا، بدلاً من ترامب ورئيس روسيا، لكن ذلك يشير إلى حقيقة أكبر وهي أن المشكلة في رئاسة ترامب أنها ليست غزوا أجنبيا، بل هي تخريب محلي.

الصفقة التي حاول دونالد ترامب إبرامها مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو الصفقات التي ناقشها فريقه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو حقيقة أن نائب الرئيس مايك بينس وعدد لا يحصى من العسكريين "اختاروا" البقاء في منتجعات ترامب، إلى جانب حقائق أخرى، كل ذلك يمثل أحد أعراض وجهة نظر تقول إن مكتب الرئيس الأمريكي بأكمله يمثل فرصة للصفقات.

ثمة أهداف يريدها ترامب وهي: المال والنفوذ والشهرة وربما ما هو أكثر من ذلك. وفي حال كونك رئيسًا يسهل الوصول إلى تلك الأهداف، ليس فقط بسبب وجود ميزانية تتيح إمكانية السرقة، لكن لأن العالم ممتلئ بأشخاص يسعون لذات الأهداف أيضًا.

ويسمي علماء السياسة ما حدث هو الاستيلاء على الدولة؛ وذلك عندما تكون المصالح الخاصة قادرة على الهيمنة على أعمال الحكومة لتحقيق أهدافها الخاصة، وتتخلص من مصالح منافسيها السياسيين والاقتصاديين، وحتى- أو بشكل خاص- عامة الناس. إنه ملف تفشي الفساد، وهو أمر نربطه عادة ببلدان مثل روسيا. والآن حان الوقت لكسر تلك العادة.

فعندما يتم الاستيلاء على الدول، تتحول صناعة السياسات إلى ربح، وتمكين أولئك الذين يستطيعون الدفع وحرمان أي شخص آخر. وهذا من بين أشياء أخرى من أسباب التحقيق مع ترامب. لكن هذه المشكلة لا تبدأ وتنتهي مع ترامب وإدارته.

إذ لن تختفي ببساطة إذا تم إبعاده من منصبه، سواء من خلال التحقيق مع ترامب أو عبر صندوق الاقتراع. ولن يهدأ حتى عندما يتم التصويت على أمثال بينس أو ميتش ماكونيل. إنها تتطلب إعادة تشكيل جذرية لعلاقة الأمريكيين بدولتهم.

ونحن في روسيا نعلم ذلك جيدا بعد تجربتنا. فقد اختفى فجأة جهاز يخبر الأفراد عن مكان الدراسة وأين يعيش ومكان العمل وأين يسافر  وما الذي يجب أن يُقرأ وحتى في ماذا يفكر. لكن عندما برزت دولة ما بعد الاتحاد السوفيتي في نهاية المطاف، أصبحت هذه الدولة مفترسة، تتغذى على المواطنين العاديين والشركات.

ومع مرور الوقت، اعتاد الروس على رؤية الدولة أولاً وقبل كل شيء كمشكلة. والحقيقة هي أن معظم الروس لا يعتقدون أن الدولة- دولتهم أو أي دولة أخرى- يمكن أن تكون أبدًا موفرًا جيدًا للرفاهية، أو منظمًا محايدًا أو دركًا محايدًا. وتلك الحقيقة وحدها ساعدت بوتين على إنجاز الكثير.

كما هو الحال في روسيا، تعد "الصفقات الترامبية" هي النتيجة المنطقية لعملية بدأت منذ عقود مضت، مع الحملة الصليبية اليمينية ضد الحكومة كمزود للصالح العام، مشحونة بالإصرار على أن الحكومة هي دائمًا المشكلة وليست الحل أبداً، فقد دفع التقشف والخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية إلى علاقة فاترة بين الحكومة والشعب في أمريكا. لقد انتقلت الدولة من كيان يضمن لعبا متكافئًا، ويقدم يدًا ويحمينا من الأذى، إلى كيان آخر نأمل في أحسن الأحوال ألا يضر بنا.

ربما كان بعض الإيديولوجيين اليمينيين يأملون في أن الدولة، المحرومة من مهمتها التدخلية، ستذبل ببساطة. لكنها ليست كذلك، فبدلاً من ذلك، تظل الدولة المؤسسة الأقوى في العالم، وتمنحها القدرة على إنشاء وتدمير ثروات الأفراد والشركات والمجتمعات بأكملها.

إصلاح هذا يتطلب إعادة الخشية من الشعوب إلى أذهان السياسيين، وهذا أكثر أهمية من مجرد التحقيق أو عزل رئيس. ولكي يأخذ المواطنون كل انتخابات على محمل الجد، يحتاج السياسيون من جميع الأطياف إلى إعادة اكتشاف مهمة إيجابية للحكومة. يمكن أن تكون هناك اختلافات في السياسة والتفضيل، لكن يجب على الديمقراطيين والجمهوريين- على حد سواء- أن يبدأوا في رؤية دولة ذات صلة بحياتهم مرة أخرى، من أجل يتحلوا بالدافع الذي يشجعهم على الولاء لها، ضد الأعداء الأجانب والمحليين.

باختصار.. حان الوقت لكي تكون الحكومات عظيمة مرة أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك