نظرة الإنسان

 

مرشد علي البلوشي

لطالما علمت أن نظرة الإنسان إلى الأشياء تتغير كلما كبر، ولكن لم أكن أعلم أن هذا التغير يشمل المسافات، والأحجام، والأوقات، والقيم، فالمسافة من قريتي إلى العاصمة (مسقط) كانت طويلة في نظري حينما كنت صغيرا، وكأن بينهما بعد المشرق عن المغرب، كنت إذا ذهبت إليها (مسقط) برفقة والدي فإني أسأله قرابة عشر مرات السؤال الآتي: «أبقي الكثير لكي نصل؟»، كنت أعد هذه الرحلة رحلة طويلة وشاقة، طويلة بما فيه الكفاية كي أنام وأستيقظ، أجوع وأشبع، ألعب وأمل، أما الآن فما أقرب مسقط، فبينما أقود أمارس التفكير والتفكر فأجدني وصلت.

وفي ما يخص الأحجام؛ الحوض الذي كنّا نسبح فيه ونحن أطفال كنت أراه كبيرا جدا، كنا فيه كالدلافين في المحيط، أما الآن فحينما أراه أتعجب وأتساءل كيف كان يحتوينا جميعًا؟! بينما الآن لا يكفي لواحد منِّا في حال تمدده.

وفي ما يخص الأوقات؛ كنت أعتبر خطبة الجمعة من أشق العبادات الدينية، فهي طويلة ومملة، الدقيقة فيها تتمطط فتصبح كالساعة، لذلك كنت أسلي نفسي بعد الحاضرين، وتأمل لباسهم، ومعاركة أقراني، وكان لا بد لي من غفوة تتخلل هذه الأنشطة، أما الآن فأصبحت أرى الخطبة وكأنها خاطرة، والليل أيضًا، كان طويلا للغاية، لا ينتهي إلا بالنوم ثم الاستيقاظ، أما الآن فلم يعد كذلك، أنهيه بكتاب أو مسلسل.

وفيما يخص القيم؛ كان الريال الواحد يعني لي الكثير، كنت إذا حصلت عليه أفكه إلى عملات صغيرة، فامتلاك عدة عملات كان أحب إلي من امتلاك عملة واحدة، كنت أشعر أن المبلغ يزداد بازدياد عدد العملات، ولكن هذا كان يغضب أمي، فهي ترى أنني أعرض نقودي للتلف والفقد بهذا الفعل، بريال واحد كنت أعيش كأسعد إنسان ليوم واحد فقط، وذلك لأنه لا يبقى معي إلى الغد، أما الآن فعشرة أضعافه لا تزيدني ذرة سعادة، فكيف به وحده؟!

تعليق عبر الفيس بوك