عبيدلي العبيدلي
تعرضت السعودية لأكبر هجوم إرهابي استهدف منشأتي شركة أرامكو السعودية شرقي المملكة. ووفقاً للتقارير التي قدرت الخسائر الناجمة عن ذلك الهجوم، بأنه يصل إلى شل نصف الإنتاج السعودي من النفط، والمقدر حاليا بحوالي 8 ملايين برميل في اليوم. وحسب ما تقوله التقارير المتابعة لحركة أسواق النفط، يبلغ الاستهلاك السعودي المحلي ما يقارب 4 ملايين برميل في اليوم. هذا يعني أن الرياض لن تتمكن خلال الفترة القادمة، من تزويد الأسواق العالمية بأكثر من مليون برميل في اليوم. وتتوقع تلك التقارير أن يكون المتضرر الأكبر بين المستهلكين هي الأسواق الآسيوية وعلى الخصوص الصين واليابان، نظرا لاعتمادها الكبير على وارداتها من النفط السعودي..
لم تكد وكالات الأنباء تتناقل الخبر حتى انبرت حركة الحوثيين في اليمن لتعلن عن مسؤوليتها عن الحادث، مدعية أنها "نُفذت بطائرات مسيرة تعمل بمحركات عادية ونفاثة، وأضاف الحوثيون أنهم قد يستهدفون منشآت الشركة مرة أخرى". وجاء على لسان "المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع، في تغريدات على حسابه في تويتر، إن معامل معالجة النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية لا تزال في مرماها (جماعة الحوثي)، وقد يتم استهدافها في أي لحظة".
يشكل هذا الهجوم، الذي ربما يضعه البعض في خانة الأحداث المفاجئة، منعطفا خطيرا في مسرح الصراعات المحتدمة في الشرق الأوسط، تتجاوز القدرات العسكرية الذاتية للحوثيين، بغض النظر عن ادعاءاتهم العلنية بشأن مسؤوليتهم عنه، بفضل العوامل التالية:
- طبيعة الهدف، والذي هو النفط، الذي يعتبر بخلاف أية سلعة عالمية أخرى، يتمتع بموقع استراتيجي عالمي في أسواق الطاقة. ومن ثم فضرب منشأة في دولة تحتل المكانة الأولى في تزويد الأسواق العالم بهذه المادة الحيوية، يضفي على ذلك الحدث الإرهابي أهمية تتجاوز الحيز السياسي الذي تشغله الرياض، ويجعل الهدف من وراء العملية إرسال رسائل أخرى إلى عواصم ليست الرياض سوى واحدة منها.
- توقيت ضرب الهدف، إذ يأتي في وقت يشهد فيه العالم والمنطقة حدثين في غاية الأهمية، ولهما علاقة مباشرة بتطور الأحداث فيها. الأول منهما هو قمة قادة العالم في نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتصريح الرئيس الأمريكي، "إنّه مهتم بلقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني لنزع فتيل التوتر بينهما". وما رافق ذلك من "نفي إيران مسؤوليتها عن الهجمات، (وفي الوقت ذاته تأكيد) الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه لن يجتمع بترامب حتى توقف واشنطن عقوباتها على طهران". هذا يعني أن الطرفين بحاجة إلى مبرر قوي يسمح لهما باللقاء من أجل بحث قضايا لها علاقة بالمنطقة، من جانب، وأن الولايات المتحدة تفتش عن سبب، يبرر لها اللقاء مع "من تدعي أنها تضعه في خانة الأعداء الاستراتيجيين"، من جهة ثانية. وفي السياق ذاته، وفي نطاق الحديث عن أهمية التوقيت، وفي نطاق العلاقات بين طهران وواشنطن، نلفت هنا إلى أن هذا الهجوم يأتي بعد حوالي أسبوع "بعد عزل الرئيس دونالد ترامب مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، (وبدت واشنطن) أنها تتجه نحو تقارب مع إيران. واختلف المسؤولون الأمريكيون بشأن السياسة تجاه إيران؛ ففي العام الماضي، قرر ترامب الخروج من الاتفاقية النووية وأعاد فرض العقوبات عليها وأضاف إليها عقوبات أشد. إلا أنه بدأ في الفترة الأخيرة بإرسال رسائل للقيادة الإيرانية عبر فيها عن رغبته بتأمين انتصار دبلوماسي، خصوصًا أنه يحضر للحملة الرئاسية العام المقبل التي يأمل فيها بانتخابه مرة ثانية". ومن المعروف أن بولتون من صقور واشنطن عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع طهران. استطرادا في الربط بين الهجوم الإرهابي والتوقيت، نلفت إلى ما جاء على لسان المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو، "إن ممثلي الشؤون التجارية في الولايات المتحدة والصين سيُجرون محادثات في غضون عشرة أيام، وإنه إذا نجحت هذه الاجتماعات، نعتزم دعوة ممثلي الصين إلى الحضور للولايات المتحدة، لدعم إحراز تقدم في المفاوضات من أجل إنهاء الحرب التجارية التي باتت تشكل خطرا محتملا على النمو الاقتصادي العالمي". وإذا وضعنا هذا التصريح في إطار الأهمية الاستراتيجية التجارية للنفط، فيمكن فهم العلاقة بين خطورة ضرب المنشأتين النفطيتين في السعودية، وتلك الدعوة الأمريكية للصين.
- الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط، والنشاط الدبلوماسي المحموم الذي تمارسه طهران في هذه المرحلة. فمن المهم فهم هذا الحدث في إطار النشاط الدبلوماسي غير المعهود من قبل طهران، فهو يأتي في أعقاب اختتام القمة الثلاثية التي جمعت طهران، بموسكو، بإسطنبول، في أنقرة، بتركيا. من أجل بحث الأوضاع في سوريا، كما صرح الرؤساء الثلاثة المشاركين في تلك القمة. ورغم تركيز البيان الختامي على قضايا الساحة السورية، وعلى وجه التحديد ما يجري في إدلب، لكن، قراءة متأنية لما جاء في ذلك البيان تكشف أن حدوده تتجاوز الساحة السورية، وما يجري حولها من أحداث. فما خرجت به القمة علنا بأنها "ستبحث (فقط) الأزمة السورية وخاصة الوضع في منطقة إدلب (شمال غرب) وسبل إنهاء الصراع الدائر في إدلب، وشروط العودة الطوعية للاجئين وتوفير الظروف اللازمة لذلك، وموضوع نقاط المراقبة التركية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، وإيجاد حل سياسي دائم في سوريا"، لا يخفي أن نتائجها ستمس اللاعبين الأساسيين في الساحة السورية، ومن بينهم السعودية. وبالتالي فمن المنطقي أن يجري العمل على إضعافها (السعودية)، إن كان الهدف ترتيب الساحة السورية، بما يتناسب والمشروعات الإيرانية والتركية على حد سواء، والتي لا تخرج في جوهرها، وأفقها الاستراتيجي عن المشروع الروسي للمنطقة.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن الهدف من وراء ضرب المنشأتين النفطيتين، يتجاوز مجرد عمل إرهابي محدود، يحصر نفسه في انتقام حوثي من الرياض، إذ يكمن وراءه هدف استراتيجي أكبر، تتفق عليه طهران وواشنطن، وموسكو، وأنقرة، وربما تل أبيب أيضاً، من أجل إرهاق الرياض اقتصاديا أولا، ثم تحجيمها سياسيا، قبل فرض شروط ذلك الحلف عليها ثالثا وليس أخيرا. ومن ثم فتقزيم الرياض بات هدفاً استراتيجياً، كانت العملية الأخيرة هي رسالته الموجهة نحو الرياض بشكل مباشر، ومخاطبة العواصم العربية الأخرى دون استثناء بشكل غير مباشر.