الانتخابات.. سباق برامج أم مباهج؟

محمود المدني

تُعد العملية الانتخابية أوضح تجلٍّ للمُمارسة الديمقراطية؛ فهي أحد أوجه المُشاركة السياسية وضامن لحرية التعبير بالنسبة للمُواطنين، وتُمثل الوسيلة المُثلى لاختيار شخص لتولي منصب رسمي، كالرؤساء وأعضاء البرلمانات والمجالس التشريعية ومجالس الشورى، أو الموافقة على اقتراح سياسي عبر التصويت بحرية كاملة بعيداً عن أي ضغوطات على الناخب، وتُمارس الانتخابات أيضاً على مستوى القطاع الخاص لاختيار مجالس الإدارات في شركات المساهمة العامة ومنظمات الأعمال والنوادي والجمعيات التطوعية... وغيرها. وتتعدَّد نُظم الانتخابات؛ فمنها: الانتخاب الفردي، وعادة ما يتم عبره انتخاب الرؤساء؛ بحيث يفوز الشخص الذي يحصد أكبر عددٍ من الأصوات، ونظام الكلية الانتخابية: وفيه يختار كل أهل ولاية أو منطقة من يُمثلهم لاختيار من يشغل المنصب المُعين، وقد تمَّ اتباع هذا النظام في وقت سابق لظروف مُعينة، في وقت كان التواصل فيه ينطوي على صعوبات؛ حيث لا يستطيع جميع الناخبين التعرف على المُرشحين عن قُرب؛ لذا يقومون باختيار من يذهب للتعرف على المرشحين واختيار الأنسب، ويبدو أنَّ هذا النظام قد فَقَد صلاحيته بعد انتشار وسائل الإعلام المُختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي. كما أنَّ هناك نظامَ التمثيل النسبي ويعتبر أكثر الأنظمة الانتخابية قدرة على تمثيل مختلف مكونات المجتمع، وهو بهذا يُحقق الغاية الحقيقية من قيام الانتخابات، وهو إما أن يكون تمثيلاً نسبيًّا للأحزاب السياسية أو للمناطق.

ولقيام أي انتخابات -رئاسية كانت أم برلمانية- فلابد من توافر شروط؛ منها: استقرار الحالة السياسية، وخلو البلاد من النزاعات والحروبات؛ وذلك حتى يتمكن الجميع من مُمارسة حقهم في الانتخاب والترشح، كما أنَّ شرط الحرية والنزاهة لابد أنْ يتوافر؛ أي أن يقوم الناخب بانتخاب من يُريد بشكل حُر ونزيه، دون أي تدخلات أو إملاءات من أي جهة كانت، أو حتى من المُرشح عبر الترغيب أو الترهيب، ومن المفترض أيضاً أن يكون الناخب على وعي تام ومعرفة بالمرشح وبرنامجه الذي يطرحه لخدمة الناخبين، أو أهل الدائرة الانتخابية، وأن يُفاضل بين المرشحين على أساس برامجهم المطروحة، ومدى قربها من تطلعات ومتطلبات الجماهير أو الناخبين، وليس لأي اعتبارات أخرى مُتعلقة بصلة القرابة أو النسب أو المنطقة أو القبيلة؛ مما يُمكن الناخب من مُحاسبة المُرشح، إذ إنِّك إذا قمت باختيار مُرشح وفقاً للبرنامج الذي طرحه فيمكن أن تنتقده إذا ما قصَّر في تطبيق ما وعد به، ولكن إذا قمت بانتخابه لأي اعتبارات أخرى فقد أغلقت على نفسك هذا الباب تماماً، ولأجل تمكين الناخب من معرفة برنامج المُرشح وأفكاره وطريقة تعامله مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، اتبعت بعض الدول نظام المناظرات الانتخابية، والتي يعرضُ فيها كل مرشح بضاعته أمام الناخبين، كما يحدُث في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث ينتهي مشوار بعض المرشحين أثناء المناظرات، حينما يتفق الناخبون على كساد بضاعتهم وضعف برامجهم، ويبدو أنَّ بعض الدول العربية قد بدأت في اقتفاء آثار هذه التجربة؛ وأولها: تونس، التي نظَّمت مُؤخراً مناظرة؛ التقى فيها المرشحون للرئاسة لعرض برامجهم وأطروحاتهم، والإجابة عن بعض الأسئلة التي شملتْ مجالات تتعلق بحقوق الإنسان والأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية، إضافة لتعهُّدات المرشحين للأيام المئة الأولى من الحكم.

لذا؛ فإنِّه على الناخب قبل التوجُّه لصندوق الانتخابات أنْ يقف وقفة جادة أمام برنامج المُرشح وقراءته من عدة أوجه لمعرفة إن كان هذا المرشح يتمتع فعلاً بالكفاءة التي تمكنه من تمثيل منطقته في البرلمان، وأداء مهام المنصب باحترافية ومسؤولية، وأنَّ برنامجه يخدم مصالح منطقته فعليًّا أم لا، كما أنَّ على الناخب أن يُوطِّن نفسه ولا يكون إِمَّعة أينما ذهب الناس ذهب، فإذا قرَّر الناس اختيارَ هذا الناخب أو ذاك لاعتبارات يعرفونها هم سار معهم دون هدي، بل عليه اختيار ما يُناسبه من برامج وإن اختلف مع الجميع دون أن يأبه بذلك، ويجب كذلك أن ينتبه إلى عدم التكاسُل عن مُمارسة حقه الانتخابي، وضرورة أن يُقيِّد اسمه في السجل الانتخابي قبل فوات الأوان؛ بحجة أنَّه شخص واحد ولا يؤثر في المشهد، وإنه إنْ قام بالانتخاب أم لم يقم، فستقوم الانتخابات، وسيفوز هذا المرشح؛ لأنَّ الناس قد أجمعوا عليه، بل يجب أن يُمارس حقه حتى وإن لم يفز من يختاره وذلك أمر آخر.

ما نودُّ التأكيد عليه في الختام أنَّ العملية الانتخابية يجب أن تكون صراعاً بين البرامج والأطروحات التي يُقدمها المرشحون وليس بين القبائل والمناطق، ويجب أن يعي ذلك في المقام الأول الناخب الذي ينتظر منه أن يُدلي بصوته للمُرشح الأكثر كفاءة والأقدر على تحمل المسؤولية، وأداء الأدوار المناطة به بجدٍّ وتفانٍ وخدمة المواطنين بمختلف مشاربهم، وليس من انتخبوه فقط، ولا يجعل معيار اختياره وعودًا شخصية أو مصالح ذاتية آنية من مباهج الحياة الزائلة.

تعليق عبر الفيس بوك