الممارسة الديمقراطية

 

محمد بن خلفان العاصمي

تتنوع أساليب الممارسة الديمقراطية وتتعدد أشكالها، وقد يظن الكثير منا أن الديمقراطية تنحصر في المطالبة بمساحة لا نهائية من الحرية وبتطبيق مبادئ العدل والمساواة فقط، بينما هي في الحقيقة تتعدى ذلك بكثير؛ لتشمل: ممارسة الفرد لجميع حقوقه في الأرض التي ينتمي إليها. وتتضمن هذه الحقوق قدرته على صنع السياسة العامة واتخاذ القرارات والمشاركة في التنمية والتطوير داخل الوطن.

وترتبط المواطنة في مفهومها الواسع بالممارسة الديمقراطية للفرد؛ فالمواطن الصالح يقوم بواجباته نحو وطنه قبل المطالبة بحقوقه المكتسبة نتيجة انتمائه الفرضي لبقعة الأرض؛ حيث تفرض عليه المواطنة الصالحة ذلك. ومع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشورى، نسمع ونقرأ من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي العديد من الآراء التي تحملُ اتجاهاً سلبيًّا نحو هذه العملية وصل إلى حد الإعلان صراحة عن مقاطعة هذه الانتخابات، والدعوة للعزوف عن الانتخاب؛ نتيجة بعض الآراء الفردية حول أداء المجلس وأعضائه خلال الفترات السابقة، والتي تكوَّنت لدى الأفراد نتيجة بعض التجارب السلبية، وربما بسبب المعلومات غير الكاملة عن أداء المجلس وأعضائه خلال المرحلة السابقة من تاريخ العمل الشوروي في السلطنة.

إن ممارسة المواطن لواجباته أمرٌ واجبٌ في ظل مفهوم المواطنة الصالحة؛ فالعزوف عن ممارسة الحقوق يفقد الوطن والمواطن خصائص التشاركية، والفرد الذي يشعر بالانتماء والولاء لوطنه يجب عليه أنْ يُمارس جميع الواجبات نحو وطنه ليتمكَّن من الحصول على الحقوق كاملة دون نُقصَان؛ فالذي يصوِّت لاختيار العضو الجيد سينعم بجودة أداء هذا العضو، وسينعكس ذلك من خلال حرصه على أن تقدَّم الخدمة للمواطن في أحسن صورة. أما من يعزف عن ممارسة دوره، فهو يُسهم في وصول غير الكفاءات إلى قبة المجلس؛ من خلال إفساح المجال للناخب ذي الميول الفئوية لممارسة حقوقه منفرداً.

فالمعرفة والخبرات والانطباعات التي يكونها الفرد عن المجلس قد تكون غير واقعية نتيجة عدم معرفته بكل تفاصيل أداء المجلس؛ لذلك يكون غير قادر على تقييم أدائه، فتتكون لديه خبرات وانطباعات خاطئة تتسبب في عدم قيامه بدوره؛ الأمر الذي يؤدي به للعزوف عن ممارسة واجباته تجاه وطنه، ومن ثم يعود الضرر عليه كمواطن.

ونؤكد أن المشاركة في العملية الانتخابية أمرٌ واجبٌ، ولا يوجد عذر يُقبل من مواطن يعيش في وطن يطمح لأن يكون وطناً متطوراً مثاليًّا ينعم بقيم العدل والمساواة، وينال فيها المواطن حقوقه كاملة، أن يعزف عن ممارسة هذا الواجب تحت أي سبب كان، وإلا كان مُقصِّراً في حق وطنه مُمتنعاً عن تقديم دعمه وولائه لهذه الأرض التي يعيش عليها وينعم بخيراتها. ومما يُؤسَف له خلال الفترات الماضية أنْ نُشاهد مجموعة من شباب الوطن -والذين من المؤمل منهم أن يقودوا عملية البناء والتنمية في المستقبل- يمتنعون ويُحجِمون عن خوض العملية الانتخابية والمشاركة فيها تحت أعذار غير مقنعة، وحجج غير مبرَّرة، معتقدين أن هذا الامتناع هو الحل الأنسب لهذه التحديات، وغير مدركين بأن هذا الامتناع والعزوف يزيد الأمر سوءًا، ويُسهم في تفاقم هذه التحديات، ويكرسها بشكل أكبر من السابق.

وختاما.. إن الأمم تُبنى بسواعد الشباب، وهم من سيعيشون المستقبل؛ لذلك يجب عليهم -هم أكثر من غيرهم- تقريرَ مستقبلهم وتشكيله، وليس كبار السن الذين أدُّوا دورهم تجاه وطنهم وقرروا مستقبلهم وعاشوه، ومن أجل ذلك كان لِزاماً على كل مواطن -خصوصاً الشباب- القيام بدورهم، والإقبال على الانتخابات وممارستها من باب الواجب الوطني، وحقوق المواطنة الصالحة، والإيمان بأهمية المشاركة في بناء مستقبل الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك