"إيكونومست": "الانتصار الأجوف" للأسد "كارثة" على سوريا والمنطقة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

وصفت صحيفة إيكونوميست البريطانية ما تحقق من انتصارات للجيش النظامي الذي يقوده الرئيس السوري بشار الأسد بـ"الجوفاء"، وأن هذا التقدم العسكري المتحقق بمثابة "كارثة" على سوريا والمنطقة خلال السنوات المقبلة.

وقالت الصحيفة في تقرير موسع إن الأسد على وشك استعادة محافظة إدلب، آخر معقل للمعارضة المسلحة، لكنها أشارت إلى أن ذلك لن ينهي الفوضى التي أحدثها في الداخل والخارج. وأضافت الصحيفة أن عبارة "الأسد أو نحرق البلد" ظلت لسنوات متجاهلة من قبل عناصر الجيش النظامي، والتي كانوا يجدونها مطبوعة على جدران البلدات التي يستعيدونها. ودفع المسلحون في سوريا نظام الأسد إلى حافة الهاوية، لكن الأسد تجاهل تهديدات الزعماء الغربيين الفارغة، واستعان بإيران وروسيا، ما تسبب في تدمير مدن بأكملها وتجويع الشعب السوري أو تهجيره. وما تبقى من المسلحين ظلوا مختبئين في محافظة إدلب، والتي تشير التوقعات إلى أنها ستسقط في يد النظام قريبا، رغم كل الصعاب.

لكن الصحيفة ترى أن هذا الانتصار "أجوف وفارغ"، فبعيداً عن مسألة استمرار نظام الأسد في حكم سوريا، بفضل الروس والإيرانيين، فقد نزح نصف السكان من مدنهم، ودمرت ثماني سنوات من الحرب الأهلية الاقتصاد السوري وتسببت في وفاة نصف مليون شخص. وقالت الصحيفة إن الأسد لا يملك ما يقدّمه لشعبه، وأن سوريا خلال السنوات المقبلة ستعاني من مزيد من البؤس والانقسام، وستتخطى عواقب الأزمة حدود سوريا إلى دول المنطقة.

وسيتم تحديد اللحظة الحاسمة لانتصار الأسد في إدلب، ويعيش هناك حوالي 3 ملايين نسمة، فر الكثير منهم من القتال في مواقع أخرى. ويسيطر على المنطقة المتمردون الأكثر صلابة، بجانب المسلحين الإسلاميين المرتبطين بتنظيم القاعدة، وهؤلاء لن يرحلوا عن إدلب بهدوء. وترى الصحيفة أن ما يحدث في إدلب "إرث لقساوة الأسد"، الذي أطلق سراح المئات من الإسلاميين المتشددين من السجون في عام 2011، على أمل أن يشوهوا الثورة السورية التي شارك فيها العديد من المجموعات السلمية في بادئ الأمر. وتقول الصحيفة إن قوات الأسد تقصف الجميع دون تمييز بين مدني ومسلح، مشيرة إلى أن الهجوم على إدلب سيستغرق وقتًا، وسيكون دمويًا.

غير أن الصحيفة تذهب إلى أنه عندما يتوقف القتال، فإن التوترات التي هددت أصلاً النظام ستظل كما هي، لكنها ستكون أسوأ من أي وقت مضى، فالمعضلة الأولى هي الدين، والأسد ينتمي إلى الأقلية العلوية، وقد تشبث هو ووالده حافظ الأسد بالسلطة، ورسم خصومه من السنة على أنهم أصوليين كوسيلة لحشد المسيحيين والدروز والسوريين العلمانيين إلى جانبه.

لكن الملايين فروا من البلاد، وخلقوا ما يسميه الأسد "مجتمعًا أكثر صحة وتجانسًا"، لكن ملايين آخرين لا يزالون قابعين تحت ظروف بالغة القسوة. فمنهم من رأى منازلهم قد نهبت، وممتلكات صودرت، بينما استولى أنصار الأسد على مناطق كاملة. وهؤلاء الذين يعانون داخل سوريا سيظلوا مصدر معارضة للنظام.

أما المعضلة التالية، بحسب الصحيفة، فتتمثل في مظالم السوريين. ففي عام 2011، وحد الفساد والفقر وعدم المساواة الاجتماعية قوى الثورة. فمع تدهور الأوضاع، ووصول الناتج المحلي الإجمالي في سوريا إلى ثلث ما كان عليه قبل الحرب الأهلية، تعتقد الأمم المتحدة أن أكثر من 8 من كل 10 أشخاص فقراء. ويقبع معظم البلد تحت الأنقاض. لكن خطط الحكومة لإعادة بناء سوريا تخاطر بتمزيقها أكثر. إذ ستتكلف عملية إعادة الإعمار ما بين 250 مليار دولار و400 مليار دولار، والأسد ليس لديه المال ولا القوى البشرية اللازمة للقيام بذلك. لذلك فقد ركز الموارد على المناطق التي ظلت موالية.

والمعضلة الثالثة هي قسوة الأسد، حيث قام بشار الأسد، بسبب خشيته من فقدان السلطة، بتعذيب وقتل ما لا يقل عن 14000 شخص في شبكة من السجون المترامية الأطراف التابعة للنظام، بحسب ما تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن. ويُعتقد أن حوالي 128000 شخص ما زالوا في هذه السجون المحصنة، على الرغم من أن العديد منهم قد لقوا حتفهم. حتى مع اقتراب الحرب من نهايتها، تزداد وتيرة الإعدام. لقد فقد كل سوري تقريباً شخص قريب منه في الحرب، ويتحدث علماء النفس بلغة تشاؤمية عن انهيار المجتمع السوري.

أما آخر المعضلات، فهي ديون الأسد لإيران وروسيا. فهو مدين بانتصاره إلى هذين البلدين الذان أمداه بالذخائر والسلاح والمشورة العسكرية والأموال، ومن المتوقع أن تطالب الدولتان الأسد بدفع الفاتورة مع الفائدة.

وبالنسبة للسوريين، فإن فوز الأسد كارثة محدقة، لكن خصومه من المسلحين وهنت قواهم، وعلى الرغم من نقاط ضعفه، إلا أنه لا يزال بإمكانه التشبث بالسلطة لسنوات. وطالما أنه على رأس السلطة فستظل سوريا في بؤس وسينتقل ذلك إلى جميع أنحاء المنطقة.

وترى الصحيفة إن الحرب استقطبت قوى إقليمية ودولية إلى المنطقة، ما يهدد بمزيد من الفوضى مستقبلا. فمصلا تتعامل إيران مع سوريا كجبهة ثانية ضد إسرائيل، بعد الجبهة الأولى المتمثلة في جماعة حزب الله، وكيل إيران في لبنان. وعلى إثر هذا البعد الاستراتيجي، شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية على المواقع الإيرانية في سوريا خلال الحرب. ففي أغسطس، لم يستطع الجيش الإيراني وحزب الله من مهاجمة إسرائيل بطائرات مسيرة، بحسب ما يقول الجيش الإسرائيلي.

أما تركيا، التي تتمركز قواتها على الحدود الشمالية لسوريا، فتهدد هي الأخرى بشن هجمات ضد القوات الكردية، التي تعتبرها أنقرة "إرهابية"، داخل الحدود السورية. وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مع أمريكا التي تدعم الأكراد وتحاول تهدئة الأتراك.

وقد يتسبب اللاجئون في زعزعة استقرار جيران سوريا أيضًا، فالذين فروا من الأسد لا يريدون العودة إلى ديارهم، بل إن أعدادهم ستزداد بسبب الهجوم في إدلب. وكلما بقوا في المخيمات، زاد خطر تحولهم إلى الشتات الدائم. وترى الصحيفة أن اللاجئين باتوا مصدر إزعاج للبلدان المضيفة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، حيث يتهمهم العديد من السكان المحليين باستنزاف الموارد وشغل الوظائف. ولذلك ترسل تركيا البعض منهم، حتى إلى أماكن مثل إدلب.

ولا تستطيع الدول الغربية القيام بالكثير الآن لتغيير مسار سوريا، ويعتقد بعض الزعماء الأوروبيين أن الوقت قد حان للتعامل مع الأسد، والمشاركة في إعادة الإعمار وإرسال اللاجئين إلى وطنهم. إلا أن "إيكونومست" ترى أن ذلك التوجه "مضلل"؛ إذ لن يعود اللاجئون طواعية، كما إن إعادة الإعمار لن تفيد سوى النظام وأمراء الحرب والأجانب الذين ساندوه، ولذا من الأفضل أن تدع روسيا وإيران تدفعان الثمن.

تعليق عبر الفيس بوك