علي بن سالم كفيتان
في تلك الليلة أيقظني صوت شيء يتحرك حول بيتنا المبني بالأحجار الطبيعية وخشب أشجار الغابة، حاولت أن اتجاهل الأمر لكن الصوت لم يختفِ بل زاد دويه في أذني، الكل نائمون إخوتي وأمي وجدتي أزحت الشال عن وجهي قليلاً لعلي أرى أحدهم يصحو كانوا جميعًا يغطون في نوم عميق تمالكت نفسي وانحنيت لجهة أخرى وحاولت الإغماض متجاهلاً ما يحدث بالخارج وفي كل مرة يقترب الصوت ويزداد عمقاً في أذني وفي تلك اللحظات تذكرت توجيه والدي قبل ذهابه للمعسكر بأنني الوصي بعده على العائلة أخذت نفسي وجلست أترقب مصدر ذلك الصوت فإذا به يحوم حول بيتنا الصغير قلت في نفسي إن أصدرت جلبة فقد أخيف النائمين وإن تركت فقد يدلف علينا ذلك الغريب من الباب المغلق بجذع شجرة شوكية.
حبوت على أربع حتى وصلت قرب موقد النار وهناك نبشت بقايا الرماد آملاً أن أجد جمرة حية أشعل بها جذوة الحطب الراقدة هناك ولكن الرماد كان باردًا ولا أثر للنار سمعت من أبي أنّ الحيوانات المفترسة تخاف من النار ولذلك قفزت تلك الفكرة إلى رأسي الصوت لا زال مستمرا ويعلو مرة بعد أخرى ولم يسبق لي الاستماع لتلك النبرات الغريبة التي تصدر من الخارج بحثت عن البندقية التقليدية (الكند) فهي رفيقة دربنا الطويل ومصدر الأمان في المنزل رغم عدم استخدامها لسنوات طوال كان الوصول إليها أمرا مستحيلا دون إيقاظ الجدة فكعادتها تنام بالقرب من السحارة التي خلفها السلاح المغطى بالشراشف من كثر حذرها وخوفها أن يستخدمها أحدنا ويؤذي بها الآخرين كانت المعادلة صعبة للغاية وفجأة أصبح الصوت ينطلق من سقف المنزل بعد قفزة غير متوقعة لذلك الزائر الليلي إلى الأعلى وهنا تحركت الجدة وسألتني ما بك فأجبتها بأنني سأذهب للخلاء فاستدارت وقالت بصوت مبحوح أغلق الباب بعدك ولا تتركه مفتوح أخذت الجزرة والعصا الغليظة التي كانت بجانب جدتي وتسللت إلى الباب ودفعت جذع الشجرة من على الباب قليلاً كان الخوف يسكنني وخطواتي كانت بطيئة حتى وصلت إلى العتبة جلست استرق السمع فقد اختفى الصوت منذ بضع دقائق هنا تمالكت نفسي وخرجت بحذر متوقعًا الهجوم في أي لحظة.
بعدت خطوات عن باب المنزل وتفحصت المكان محاولاً رؤية شيء في ذلك الظلام الدامس ويدي التي تحمل الجزرة متأهبة بينما العصا في اليد الأخرى وفي تلك اللحظات أحسست بيد تمسكني من عضدي فصرخت ولكن اليد الأخرى غطَّت فمي وسمعت كلمات توشوشني لا تخف ... لا تخف لن نؤذيكم يا بني كنت أشم رائحة الباروت من البندقية التي كانت بحوزته وعرق جسدي النحيل، هدأت قليلاً، فأرخى يده عن فمي بينما ظل ممسكاً بيدي التي تحمل الجزرة وكانت العصا قد طاحت أرضاً تمالكت نفسي قليلاً وسألته من أنت؟ وماذا تريد؟ قال لي موشوشاً نُريد سكرا وشايا وإذا كان لديكم أرز فعلمت على الفور من يكون الرجل وإلى أي جهة ينتمي.
في هذه اللحظات خرجت الجدة تبحث عن عصاها الذي استعرته للدفاع عن الأسرة وهي تناديني وأظن أنها افتقدتني أو بالأحرى خافت عليَّ فانسحب صاحبنا جانباً واجبتها بأنني هنا فقالت هل أخذت العصا؟ قلت نعم فسلمتها العهدة عند الباب ودخلت وأنا أخفى عنها الجزرة بينما هي شدت ذلك الجذع بقوة للداخل لكي تحكم إغلاق الكوخ وكنت أنا قد دفنت نفسي في شرشف قديم وقلبي لا زال ينبض بقوة فسمعت أمي تلك الجلبة فقامت وعلى الفور بلغتها الجدة أنه لا شيء الولد ذهب للخلاء وأغلقنا الباب... ظل همس ذلك الرجل ورائحة بندقيته عالقًا في نفسي وقلت هل ذهب أم لا زال ينتظرني بالخارج وما الذي عليّ فعله الآن؟
كانت أمي ترثي أخيها في كل لحظة وتعبر عن سخطها لما آلت إليه الأمور ولم أكن أدرك الأمر فقلت في نفسي أيكون الرجل هو من قتل خالي؟ أم الذي كان يُدافع عنه؟ لم أملك إجابة ربطت الأحداث بشكل عشوائي واختلطت أمامي كل الأشياء ودخلت في نوم عميق أشبه بالإغماء ولم أصحو إلا على صوت أبي القادم من مناوبته العسكرية كم كان ذلك مريحاً فوجوده يعني الأمان المطلق وبابتسامته المعتادة قال لي ماذا فعلت في غيابي لعلك أبليت حسناً؟ أومأت له برأسي وقبلته ثم أخذني في حضنه فنسيت كل لحظات الخوف التي مرت بي في تلك الليلة.