آخر الأحزان

 

 

أفلح بن عبدالله الصقري

 

 

عندما خلق الله الإنسان في هذه الحياة الدنيا إنما خلقه ليعمُرها بالعبادات والطاعات التي تزيد من رصيده في الآخرة، فقد نشأ سيدنا آدم وخُلق في الدنيا ثم انتقل إلى الجنّة هو وأُمنا حواء رضي الله عنهما، وقد أختبر الله بقاءمها في الجنَّة ولكن الإنسان بطبيعة الحال لا يكتفي بالسكن وإنما هو ينبش ويبحث، ومن هنا وسوس لهما الشيطان برغم تنبيه الله تعالى لهما بعدم الاقتراب من الشجرة، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} سورة الأعراف:الآية 20 وقال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} سورة طه؛ الآية 120، فكما ذكرنا بأن الإنسان مهما بقي في نعيم ولكن هُناك أخطاء يرتكبها وهذه فطرة فطر الله الناس عليها، لكي يعودوا ويتوبوا ويذكروا ربهم ويستغفروه.

 

 

 

فلعل خطأ سيدنا آدم وأُمنا حواء فيه حكمة من الله وعظة وعبرة وردت في القرآن الكريم لبني البشر، ولكنّ الله تاب عليهما فهو بلا شك "التواب الرحيم". قال تعالى: {فتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} سورة البقرة: الآية 37، وهذا دليل مِن الله رب العِزة بأنه أرحم الراحمين وهو أيضاً أرحم من أُمك التي ولدتك.

 

 

 

فالإنسان مُبتلى في حياته ويتلقى مصائب ولكن لابد من أن يكون "الصبر" في مقدمة عنوانه، وهذه الشدائد في دفتر حياته، ليكون شاكراً لله ذاكراً له يعيش بصبره فالكل هالك إلا وجه الله، قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ  لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} سورة القصص: الآية 88 وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} سورة الرحمن: الآية 27، فيا بني آدم الدنيا زائلة كزوال البشر.

 

 

 

نفجع عندما يرحل عنا عزيز في حياتنا ونحزن وبعضنا يُبالغ في حزنه، وليس المطلوب منا الحزن الشديد والصراخ والعويل، وإنما يأمرنا الله في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} سورة البقرة: الآية 156 وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} سورة المؤمنون: الآية 60 وكل هذه الدلائل إنما هي مواساة القرآن الذي أنزله الله للناس، والعودة لله في كل حال من الأحوال، وامتحان في الحياة الدنيا، وكل ما عند الله خير وأبقى للإنسان.

ومع وفاة غالي على قلوبنا تتغير الأحوال ويبدأ أصحاب المتوفى بسلوكيات تختلف عن السابق وتنهار بعض المعنويات فالبعض يُمثل حياته والبعض الآخر يُمثل دواخله التي لا ينفك عنها حتى ينصدم برحيل من سكن أواسطه وحياته اليوميه.

فعلى الإنسان أن يلزم الصبر والدعاء والصدقة التي طالما تمنى من في القبور العودة لأدائها أكثر من مرة لو أُتيحت لهم الفرصة، ولكن الميت لا يعود مرة أُخرى للحياة وإنما أهله وذووه هم من عليهم مواصلة طريقه التي أنتهت عندها حياته لينعم هو بالحياة الآخرة وتبقى له كالصدقة "الجارية" وأن يكون لهم "آخر الأحزان"...

اللهم ارحم من هم تحت التُراب، فإن قلوبنا تتفطر شوقاً لهم، اللهم اجعل دعاءنا وصدقاتنا لهم مقبولة عندك يا رب العالمين، واجمعنا بهم في جنات النعيم، وارخ أيدينا لمن احتاج لنا في ميزان حسناتهم وحسناتنا، وارحم ضعفهم وقلة حيلتهم فإنهم بين يديك وفي مستقر رحمتك يا كريم.

تعليق عبر الفيس بوك