روبرت فيسك يكتب: الزعيم "المجنون" يجلس في واشنطن لا طهران

مقالة بقلم الكاتب المخضرم روبرت فيسك، نشرتها صحيفة إندبندنت البريطانية

ترجمة- رنا عبد الحكيم

لا أنكر أن التاريخ في الشرق الأوسط غير مألوف بالنسبة لنا في الغرب، فقط عندما كنا نظن أننا أهل الخير والإيرانيون هم الأشرار، يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنعرف أن القائد المجنون هو ترامب والعقلاني هو رئيس جمهورية إيران الإسلامية.

أما بالنسبة للإسرائيليين فهم لا يريدون من ترامب أن يتحدث مع الإيرانيين. لقد قاموا فجأة بإمطار الوكلاء المحليين لإيران في الشرق الأوسط بالصواريخ التي أطلقتها الطائرات بدون طيار في العراق وسوريا ولبنان. لكن الإسرائيليين أهدروا ذخيرتهم، فروحاني ليس مجنونا وقال على الولايات المتحدة أن تسقط العقوبات عن إيران أولا إذا أراد ترامب التحدث.

ما زال يذهلني أن علينا أن نأخذ حديث ترامب مأخذ الجد عن كون روحاني "المفاوض الكبير" وأنه لازال مراسلو البيت الأبيض يدونون هذا الهراء في دفاترهم، كما لو أن الرئيس الأمريكي رئيسا بالفعل أو كما لو كان ما يقوله كان له أدنى تأثير على أرض الواقع.

وعندما أوضح روحاني أنه لم يكن مهتمًا بـ"الصور الفوتوغرافية"، على الفور كتبت واشنطن بوست لماذا روحاني "بدد الآمال بعقد اجتماع محتمل مع نظيره الأمريكي". ما هذا الهراء! ما هي "الآمال" التي ما زالوا يتوقعونها من رئيسهم الناشئ بعد عامين ونصف العام من تهديداته وأكاذيبه وعنصريته؟

ترامب الآن يرتدي عباءة الجنون الدولية لأحمدي نجاد بتاريخه المليء باللاعقلانية، فيما يشغل المقعد الرئاسي الإيراني اليوم شخص أكثر برجماتية. ولكن دعونا لا نكون رومانسيين حول حسن روحاني. في عام 1999، عندما كان نائباً متواضعاً لرئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أدان روحاني المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية بوصفهم "مفسدين في الأرض" والمعارضين للجمهورية الإسلامية، والذين ستكون عقوبتهم الإعدام.

وفي الأشهر الثمانية الأولى بعد تولي روحاني الرئاسة في عام 2013، أعدمت الدولة الإيرانية شنقا 537 شخصًا على الأقل. وفي يناير من عام 2014، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط اليومية العربية، قام روحاني بزيارة الأهواز للتعامل مع "عدد من الملفات الحساسة" التي تركها أحمدي نجاد. ومن بين هؤلاء هاشم شعباني وهادي رشيدي وكلاهما ناشطين في مجال حقوق الإنسان من الأقلية العربية في جنوب غرب إيران، والذين حُكم عليهم بالإعدام بسبب اتهامهم بـ"شن الحرب على الله" و"نشر الفساد في الأرض" و"التشكيك في مبدأ ولاية الفقيه".

لكن حتى لو كان روحاني قد خدع بما فيه الكفاية ليتغاضى عن عرض ترامب- وهو ما لم يكن كذلك- فإن مصيره كان يشبه مصير هاشم شعباني لو كان قد تجرأ على التحدث إلى الرئيس الأمريكي دون الاستعادة الكاملة للاتفاق النووي. لقد خرقت الولايات المتحدة الاتفاق النووي وفرضت العقوبات على إيران، لذا يتعين على ترامب العودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات، بدلا من تعليق آمال على لقاء رئيس الجمهورية الإسلامية.

بالطبع، لن يخوض الإيرانيون حربا فعلية مع أمريكا ولن تعلن أمريكا الحرب على إيران. نعلم جميعًا ذلك، باستثناء أولئك الذين يطرحون سيناريوهات "حافة الحرب" في الخليج. لقد مررنا بعمليات التنقيب عن السفن الإيرانية في عام 1987 دون إعلان الحرب. إضافة إلى ذلك، ما الجديد في إصرار إيران على حقها "السيادي" في امتلاك الطاقة النووية السلمية؟

قد يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قادرا على تحويل نفسه إلى "وسيط" رغم أن الفشل كان مصير كل من حاول أن يلعب هذا الدور على مدار التاريخ. من الناحية النظرية، ما يحاول ماكرون فعله، إذا كان ما ذكرته صحيفة "لو موند" صحيحا، هو إقناع ترامب بالسماح للمستوردين الرئيسيين للنفط في إيران بمواصلة شراء النفط من الجمهورية الإسلامية. وهذا يشمل تركيا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية. في المقابل، ستعود إيران نفسها إلى الاتفاق النووي الأصلي. هذه هي الرسالة التي بعث بها ماكرون إلى طهران مع وزير الخارجية الإيراني.

لكن ما يفعله ماكرون حقًا- وهو ما يفعله كل زعيم أوروبي تقريبًا- هو محاولة الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط لفترة كافية حتى يتمكن الأمريكيون من انتخاب زعيم سياسي جاد وذكي وصادق إلى حد ما ليحل محل الزعيم غير المتوازن عقلياً ورئيس الولايات المتحدة.

حسنا، حظا سعيدا للأميركيين في الوقت الحاضر، ونأمل في أن يتخلصوا من الدولة المارقة المجنونة التي كرسها كل من (جون) بولتون و(مايك) بومبيو لصالح ترامب، ويحصلون على دولة يحكمها رجال يتحلون بشجاعة ورؤية حكيمة. أما بالنسبة للإيرانيين، فهم فهموا الوضع الحالي للولايات المتحدة أفضل بكثير مما يفهمه الأمريكيون أنفسهم.

تعليق عبر الفيس بوك