دار المخطوطات والوثائق.. كنز وطني يعكس عبقرية المكان والتاريخ

5 آلاف مخطوط عماني تروي سيرة أبناء السلطنة في صناعة الحضارة الإنسانية

 

مسقط - العمانية

عندما تدخُل دار المخطوطات والوثائق في وزارة التراث والثقافة، لا تملك إلا أن تقف احتراما لعظمة ما أنجزه الإنسان العُماني على مرِّ التاريخ في مُختلف فنون المعرفة. إنها مساحة تُحفظ فيها آلاف الكنوز باعتبار أنَّ المخطوطات والوثائق كنوز لا تقدر بثمن، وهي دليل ملموس من أدلة حضارة أي بلد وعبقرية أناسه.

وعندما تخطُو خُطوة إلى داخل الدار، تجد الكثير من المصاحف القديمة المخطوطة بماء الذهب والمزينة بزخارف فنية بديعة تكشف ذوقا رفيعا للخطاطين العمانيين. ومئات من المخطوطات الفقهية ومخطوطات علم التفسير والأدب واللغة والتاريخ وعلم الفلك، ومخطوطات في علم الفلك والبحار والطب والكيمياء، ومخطوطات في الأفلاج وعلوم كثيرة لا حدَّ لها، كل ذلك تجده في دار المخطوطات.

وحسب آخر إحصائيات دار المخطوطات، فإنَّ الدار تملك 5000 مخطوط قامت مؤخرا برقمنتها وتحويلها إلى مخطوطات رقمية متاحة للباحثين. وإذا كانت دار المخطوطات تملك هذا الرقم فإن إحصائية أخرى تشير إلى أنَّ عدد المخطوطات المتوفرة في عُمان اليوم تزيد على 45 ألف مخطوط موزعة على مؤسسات متحفية رسمية ومكتبات عامة وأخرى خاصة يملكها عمانيون في مختلف محافظات السلطنة، وهذا العدد في مُجمله يعتبر إشارة إلى عبقرية الإنسان العماني وحضوره في السياق الثقافي الإنساني منذ أقدم العصور. وتقوم وزارة التراث والثقافة -ممثلة في دار المخطوطات- بجهود كبيرة في الحفاظ على المخطوطات العمانية وترميمها وحفظها للأجيال القادمة.

وكانتْ جُهُود وزارة التراث والثقافة في هذا المجال قد بدأت منذ فترة مبكرة من سبعينيات القرن الماضي عندما سخرت جهودها من أجل التنقيب على التراث بمختلف أنواعه وأشكاله من تحت ركام بيوت الطين ومن داخل روازنه القديمة ومن عُمق مئات الأضاميم في الحارات العمانية قبل أن تبدأ عملية طباعته وتحقيق ما يمكن تحقيقه وترميم ما يستحق الترميم. وإذا كان هذا المشروع ليس مشروعا لحظيا مرتبطا بزمان ومكان، فإن جهود الوزارة في خدمة هذه المخطوطات ما زالت مستمرة، فإذا كانت قد حققت بعضها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي فإنها تعمد اليوم إلى تحقيق ما تبقى أو إلى إعادة تحقيق مخطوطات تم تحقيقها وفق مناهج تحقيق حديثة. كما عمدتْ الوزارة ومواكبة للثورة الرقمية إلى تحويل جميع مخطوطاتها إلى مخطوطات رقمية واضحة ودقيقة، وحفظها بصيغ حفظ مختلفة.

والمتابِع لرحلة أي مخطُوط يصل إلى دار المخطوطات سيتعرَّف على التعامل النوعي مع المخطوط، وهو تعامل يُشبه ذلك الذي يلقاه الوليد الجديد وسط أسرته، من حيث الفرحة والاهتمام.

فعِندَما يدخل المخطوط إلى الدار يعْمَد الفنيون هناك على تعقيمه ليتخلص من الفطريات والبكتيريا المتواجدة بين أوراقه، وهذه الفطريات تكون قد وصلت له نتيجة التخزين الطويل والبدائي ونتيجة الرطوبة والحفظ غير العلمي له. وهذه العملية تحمي من يتعامل مع المخطوط من خطر الفطريات والبكتيريا. وتملك الوزارة أجهزة تعقيم متطورة تعتبر الأحدث بين أجهزة تعقيم المخطوطات، ويستطيع جهاز التعقيم التعامل مع 60 مخطوطا في الوقت الواحد، وتحتاج عملية التعقيم إلى حوالي 18 إلى 24 ساعة حتى يتخلص المخطوط من كل أثقال البكتيريا والآفات المصاحبة.

وإذا كانتْ عملية التعقيم أساسية وضرورية، فإنَّ عملية تسجيل المخطوط وفهرسته لا تقل أهمية في عرف دور المخطوطات والمكتبات؛ فهو فور وصوله يأخذ رقم حفظ، وربما يحول مباشرة للتصوير الرقمي.

ويمكِن لزائر دار المخطوطات في وزارة التراث والثقافة أن يطَّلع على المئات من الكتب القديمة والمطبوعة بالطباعة الحجرية، والتي يعود بعضها لما أنجزته المطبعة السلطانية في زنجبار، وهناك سيطلع على أجزاء قاموس الشريعة وبيان الشرع ودواوين من الشعر العماني، وكتب في التاريخ والفقه تعود لبدايات القرن الثامن عشر.

وإذا كانت زيارة دار المخطوطات تشعر الزائر بالفخر بمنجز الإنسان العماني؛ فيمكن أن يتضاعف الفخر عندما يطرح الزائر سؤالا حول أقدم مخطوط موجود في الدار يأتيه الجواب أن عمر أقدم مخطوط هو 900 سنة وهو مخطوط في السيرة. ومن بين نوادر المخطوطات الموجودة في الدار مخطوط لمصحف القراءات السبع، وهو يضم النص الكامل للقرآن الكريم مع القراءات السبع في حواشيه، وهذا المصحف بخط الخطاط العماني الشهير عبدالله بن بشير الحضرمي، وهو من علماء صحار في القرن الثاني عشر الهجري. كما يوجد مخطوط للمصحف السندي بخط محمد بن فاضل السندي. وهناك المصحف الملون ومصحف الريامي، ومصحف الحارثي، ومصحف الوايلي.

تعليق عبر الفيس بوك