"إيكومونست": هل فشلت الديمقراطيات الغربية في الحكم؟

ترجمة- رنا عبد الحكيم

ترى صحيفة إيكونوميست البريطانية أن الأنظمة الديمقراطية الغربية ربما فشلت في حكم الدول وتسببت هذه الديمقراطيات في حالة من الفوضى السياسية والاضطرابات الاجتماعية على نطاق واسع، مستشهدة بما يحدث في دول أوروبا الغنية.

وأشارت الصحيفة في تقرير لها إلى ما ذكره رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي في عام 2017 عندما قال: "عدم القدرة على الحكم في إيطاليا يمثل مخاطرة كبيرة"، وكذلك ما قالته المتحدثة الرسمية للحكومة الكتالونية قبل وقف نشاط تلك الحكومة مباشرة: "سيكون من المستحيل أن تحكم إسبانيا حتى تواجه المشكلة السياسية في كاتالونيا"، كما حذر الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون من أن "فرنسا ليست بلداً قابلاً للإصلاح".

وتقول الصحيفة إن تفشي الاحتجاجات أو وجود حكومات ضعيفة لا يعني أن الدولة غير قابلة للحكم. علاوة على ذلك، فإن مشاكل إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا مختلفة ومتباينة. وتساءلت الصحيفة: "ما الذي يعنيه عدم القدرة على الحكم عند تطبيقه على الديمقراطيات؟ وإذا كانت هذه مشكلة، فهل هي الآن أسوأ مما كانت عليه في الماضي القريب؟".

يمكن توضيح عدم القدرة على حكم بلد ما بأربعة طرق؛ أولاً: لا يمكن لبعض الدول تشكيل حكومة مستقرة إما لأن الحزب الأكبر لا يحظى بالأغلبية البرلمانية، أو لأن الأحزاب (في الدول ذات الائتلافات) لا يمكنها بناء تحالف مستقر على أساس نتائج الانتخابات. فقد أجرت إسبانيا ثلاث انتخابات منذ نهاية عام 2015 وقد يتعين عليها الدعوة إلى انتخابات رابعة بعد فشلها في التفاوض على ائتلاف جديد. وفي بريطانيا، جردت انتخابات عام 2017 المحافظين من أغلبيتهم وكانت فترة حكمهم اللاحقة مضطربة. وفي كلا البلدين، تراجعت الأنظمة المستقرة المكونة من حزبين لتتذبذب أربعة أو خمسة أحزاب؛ وكلاهما، بالمناسبة، شهد انهيار حكومات إقليمية كبيرة، في كاتالونيا وآيرلندا الشمالية.

وفي 28 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، كانت ثمانية من أحدث الانتخابات التشريعية عبارة عن استطلاعات رأي مفاجئة، تم استدعاؤها قبل نهاية الفترة البرلمانية العادية. وهذه ليست نسبة ضئيلة، رغم أنها لا تشير إلى فوضى واسعة النطاق.

والأكثر شيوعًا، أن الدول ذات الحكومات الائتلافية عانت من مفاوضات مطولة على نحو غير عادي. فقد استمرت السويد أربعة أشهر في مفاوضات لتأسيس تحالف حكومي؛ ولديها الآن حكومة أقلية غير فعالة. وأجرت فنلندا انتخابات في أبريل واستغرق الأمر حتى نهاية مايو لتشكيل ائتلاف يساري.

هذه الحالات تبدو باهتة بالمقارنة مع الأشهر الثمانية التي استغرقتها التشيك لتشكيل حكومة في عام 2018، أما الرقم القياسي البالغ 535 يومًا فتحملته بلجيكا بدون حكومة عامي 2010 و2011. وبعد تصويتها في عام 2018، تمكنت إيطاليا من تشكيل ائتلاف بين اليمين الشعبوي واليسار، على الرغم من أنهما لا يستطيعان أن يقف كل منهما أمام الآخر. وترى الصحيفة إمكانية وصف هذه الدول بأنها "محفوفة بالمخاطر"، بدلاً من أن تكون "غير قادرة على الحكم".

وقد تعني عدم القدرة على الحكم أن الحكومات تفشل في إصدار القوانين الأساسية التي تعتمد عليها وظائف الدولة. فلم تستطع إسبانيا الموافقة على ميزانية هذا العام، مما أدى إلى إجراء انتخابات في أبريل. وأقرت إيطاليا ميزانيتها لعام 2019، لكن بخرق الحدود المالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، رغم أنه تم تجنب المواجهة حتى الآن.

لكن موطن الفشل في إصدار قوانين ذات مغزى كان في الولايات المتحدة، حيث تخلى كل من الجمهوريين والديمقراطيين عن إصدار تشريع إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2020. ولا يزال هذا الفشل قائماً منذ فترة طويلة؛ حيث يفشل أعضاء الكونجرس في إقرار الميزانية الاتحادية بصورة دورية في الوقت المحدد. وبين عامي 2016 و2018، سيطر الجمهوريون على غرفتي الكونجرس، لكنهم فشلوا في تحقيق هدفهم التشريعي الرئيسي، وإلغاء قانون الرعاية "أوباما كير" بتكلفة معقولة، كما لم يحاولوا الحصول على موافقة على صفقة وعدت بها لتحسين البنية التحتية الأمريكية المتهالكة. وتعتقد الصحيفة أن أمريكا لا ينطبق عليها مفهوم "غير خاضعة للحكم" في معظم معاني هذا المصطلح، لكن النظامين التشريعي والتنفيذي فيها يعانيان من "حالة شلل".

الطريقة الثالثة في إثبات عدم القدرة على الحكم تتمثل في الفساد المنظم للمعايير الدستورية، مما يجعل العمليات السياسية عشوائية أو تعسفية. وهذا لا يجعل الدول دائمًا غير قابلة للحكم. ففي بعض الأحيان- كما حدث في المجر في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال- فإنها تقوم بالنقيض من ذلك؛ حيث تزيد من سلطة الدولة على حساب الضوابط والتوازنات الديمقراطية. لكن تقويض الديمقراطية يمكن أن يعيق عملية صنع القرار، كما هو الحال في بريطانيا؛ حيث انهارت مسؤولية مجلس الوزراء وتلاشى الانضباط الحزبي، والوزراء ينتهكون مدونة قواعد السلوك الوزارية وتقاليد الإجراءات البرلمانية.

وتؤكد الإيكونوميست أن الدول الغربية لا يمنك وصفها بأنها غير خاضعة للحكم بمعنى الشلل أو الأزمات، فهذه الدول لم تفقد السيطرة على الشارع، كما أنها ليست كمنوذج الكونغو، لكن هذه الحكومات الغربية تمزقها النزاعات وهي أضعف من أن تنفذ إصلاحات كبرى، مثل المعاشات التقاعدية، أو الرعاية الاجتماعية. وليس من المستحيل أن يحكموا بمعنى حدوث فوضى، لكن معظم حكوماتهم لا تستطيع اتخاذ أي إجراء على قدر من الأهمية.

وأخيرا.. شهدت السنة الماضية عودة المظاهرات الجماهيرية إلى الشوارع. ففي فرنسا، أغلق متظاهرو "السترات الصفراء" الطرقات ونظموا أعنف احتجاجات شهدتها البلاد منذ عام 1968. وفي بريطانيا، ادعى المتظاهرون في حملة ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن مليون شخص شاركوا في هذه المظاهرة التي أقيمت في لندن في مارس 2019، مما يجعلها واحدة من أكبر التجمعات البريطانية على الإطلاق. كما شهدت براغ أكبر المظاهرات منذ ثورة فيلفيت عام 1989. وكانت هناك تجمعات أصغر مناهضة للحكومة في إسبانيا وصربيا والمجر وسلوفاكيا في 2018 و2019.

وتختتم الصحيفة تقريرها بالقول إنه في كل مكان، تجد الأحزاب صعوبة في جذب أعضاء لها والاحتفاظ بهم وتعبئة الناخبين. والأحزاب هي القوى المنظمة للديمقراطية البرلمانية، وهي من تختار المرشحين وتوافق على البيانات وتحشد في عمليات التصويت. وعادة ما تدور التحالفات حول حزب كبير واحد، وإذا استمرت قوة الأحزاب في التراجع، فمن المرجح أن تصبح الأنظمة السياسية أكثر مرونة على الأقل مما هي عليه الآن.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة