قصيدة الرحيل


شعر: د. يوسف حطّيني | فلسطيني وأكاديمي بجامعة الإمارات
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

جننتُ.. جننتِ .. جُننا
دخلنا بلاداَ مسوّرة بدمِ العاشقينْ
ساعةً.. ساعتينِ.. ثلاثاً
وما كاد نبضُ الحياةِ يمرُّ من القلبِ
حتّى اعتراكِ ذهولٌ حزينْ
أحقاً جننتِ؟
لماذا إذاً ترحلينْ؟
وإنْ كنتِ تنوينَ ذاكَ الرَّحيلَ البعيدَ
إلى ضفّة العاقلينْ
تعالي إليّ لكي نجعلَ القُبُلاتِ الأخيرةَ
زوادةً للحنينْ
2 ـ
إذا كنتِ تنوينَ أن تحرمي
ضوءَ عينيَّ رؤيةَ هذا الملاكِ الأمينْ
لماذا تجلّيتِ في خاطري وردة مائسهْ؟
لماذا احتوتنا شوارعُ معجونةٌ
بالجنون المتيّم في السّاعة الخامسهْ؟
وصارت على وسعها
وهج طيفْ؟
لماذا تكونينَ حلماً قصيراً
كليلةِ صيفْ؟
لماذا جننتِ؟ وكيفْ؟
وكيفَ سأنسى أصابعَ محشوةَ بالبنفسجِ
وهي تداعب وجهي الحزينْ؟

وأذكرُ ضحكَ المساءْ
يعيدُ إلى العُمْرِ ذاكرةً من ضياءْ
وأذكرُ همسَ الرصيفْ:
"تمهّلْ قليلاً
ولا تؤذِ طيراً تكوّر بين أصابعها
خائفاً من يديكْ
ودعه يخربشُ حينَ يشاءُ
قصيدةَ شعرٍ بدمعٍ
تحدّرَ من مقلتيكْ
ومن نزفِ قلبٍ
كواه اصفرارُ الخريفْ
ولا تنسَ يا صاحبي
أن تعتّقَ خمرَ يديها
بماءِ النزيفْ
4 ـ
وأذكر أنّا حلمنا
ورحنا وجئنا
ودرنا نمشّط صمتَ المكانْ
وأذكر أنّ أصابعيَ النزقاتِ
استتشاطت لهيباً
على سفح رابيةٍ لاهثهْ
وأذكرُ أنيَّ راوغتُ فتنتها
مرةً .. مرتينِ..
وفي المرة الثّالثهْ
رأيت ظلالاً من الرّعشةِ المشتهاةِ
تظلّلُ عينيكِ
آنستُ سحرَ البريقْ
تُرى..
ما الذي سوفَ يهمي من الغيمِ
سُكْراً
ومن سوفَ يُطفئ وهجَ الحريقْ؟
5 ـ
أأنسى؟
وماذا سأنسى؟
أأنسى نجوماً
يخبئها ليلُ شعركِ
في حالكات السّحابْ؟
تعجبتُ:
كيف ستحجبُ ضوءَ السّماءِ
خيوطُ الضّبابْ؟
فيا جدولاً من سَنَاءْ
لماذا تدثّرتَ بالغيم ذاك المَسَاءْ؟
وتعلمُ أني أحبكَ
يا شجرَ الكستناءْ
وتعلم أنّيَ أحلمُ
أن يفرش الليلُ صدري
وأن يصبحَ الصّدرُ
شطّاً ومرسى
فكيف سأنسى؟
6 ـ
وحين دفنتِ بصدري لهاثَكِ
قلتِ: أحبّكَ
هل تذكرينْ؟
تراقصَ حزني هُياماً
وجنّ بلهفتِهِ خافقٌ مستكينْ
وحينَ سمعتِ
صدى قلبيَ المتعبِ
يؤرجحُ أحلامَ طفلٍ صبي
ويسلبُ من نبضِهِ حشرجاتِ الأنينْ
رميتِ ظلالَ الأسى
من يديَّ بعيداً
وأشعلتِ في حطبي
جذوةَ العاشقينْ
7 ـ
وما زال ثلج يديّ
يفكّرُ كيفَ احترقْ
على غيرِ وعدٍ
أصابعُ لاهثةٌ تحتَ جمرِ الحريرِ
تناجي الحبقْ
وأحسستُ أنا نعيشُ بقلبٍ
يحلّقُ في جسدينْ
وسرعانَ ما راعني
زمنٌ غادرٌ شدّني
خارجَ الجنتينْ
8 ـ
على حينِ مسغبةٍ
ثورتي
أشعلتْ ثورةً في ضلوعٍ
تحاولُ ألا يكون اشتعالْ
تذوبُ على وهجِ فتنتها
قبلةٌ هائمهْ
ثورتي أشعلتْ رغبةً صائمهْ
فراح لظى شفتينِ
يفتش عن شفتيّْ
ويوغل فيّْ
ويزرع فوق الشفاهِ الحزينةِ
أفراحَ فُلّهْ
ورحت أخزّن داخلَ ذاكرِةِ الحزنِ
أجملَ قُبلَهْ
وعمريَ كلَّهْ
وأختلسُ اللحظاتِ التي عبرتْ عنوةً
من عذابِ السّنينْ
ساعةً.. ساعتينِ.. ثلاثاً
وما كادَ نبضُ الحياةِ يمرُّ من القلبِ
حتّى اعتراكِ ذهولٌ حزينْ
أحقاً جننتِ؟
لماذا إذاً ترحلينْ؟
وإنْ كنتِ تنوينَ ذاك الرّحيلَ البعيدَ
إلى ضفّة العاقلينْ
تعالي إليّ لكي نجعلَ القُبُلاتِ الأخيرةَ
زوادةً للحنينْ.

 

تعليق عبر الفيس بوك