الأكفان كلها منشورة هنا


محمود عادل لبد | فلسطين

يقول غيابي المحتوم:
اشتقت للعودة إلى فوضى الحواس ..
ويقول الأنا: دعنا بعيدين عن ثرثرة الوقت..
وتقول ذبابة اللحم:
لا تنزع ملاذ ليلتي الثقيلة فقد غرقت بالتعفن..

وفي الثانية والنصف ودقيقتين من منتصف الليل
 تعود الفراشات إلى حقيبتي،
لتملأ الفراغ الذي أحدثته الأوراق
وساندويشة المدرسة وقلم الرصاص
والألعاب التي أحضرتهن لي أمي منذ نيف من الزمن..

كان غيابي مشتاقا
لصفصافة الشعر الأنيقة
وربطة أزرار القميص المدرسي..
وقد يشتاق إلى تلك الفتاة العفوية
التي كنت أرمقها من نافذة مرقدي

في الخامسة والنصف بعد الفجر..
كنت أسمع صوت محرك سيارة والدها المزعج..
كان دائما مخالفا للقانون، كذلك كان معي دائما،
إذ ينطلق مع ابنته يساراً وأنا يميناً ..
كان ذا وجه عبوس لا يبتسم،
عكس ما أفعل تماما،
كنت أنظر إلى ابنته بنظرة ناعمة،
لكنه كان عنيفا بالنظر إليها،
كنت قد حاولت رسم وجهه على حائط الشرفة
كي أرى كيف يبدو وجهي أمامه،
ولوهلة اكتشفت حماقتي،
ثم جددت النظر إليه ..
إلا بصوت دافئ يخطف الصمت ويهمس بأذني؛
خذ يدي وتعال معي..

سرقتني يد ناعمة كزهرة فوضوية العطر،
قبَضَت على فمي وأشارت بألا أهمس بشيء..
استمررت وراءها بتسلل،
بدت الألوان تسطع شيئاً فشيئا،
بدأت أتسمر في مكاني، هذا هو لا غيره..
قد بدت الألوان تعكس وضوحها الحقيقي..
بدت الأصابع تقسو، اليد تتحجر، صار العطر يتلاشى،
بقيت متسمراً في أرجاء الظلام،
 
الأكفان كلها منشورة هنا،
حاولت إفلات يدي من الآخرى،
إلا أنها متحجرة بقسوة..
نظرت إلى الجثث حولي..
كلها تبتسم..
خيم الرعب لبضعة دقائق،
فجأة..
الرياح تحرك السكون بضجة هائلة،
وجدت يدي معلقة في حلك البياض حرة بلا قيود،
نظرت إلى الجثث لم أرَ شيئاً،
رفعت يدي أتفقد أثار بصمات ..
كأن شيئا لم يكن..
تفقدت ثانيةً
إلا بدوامة توقظ كل شيء..
حتى الجثث تحركت... والأنا بدأ يتفاقم !!

 

تعليق عبر الفيس بوك