"أفلا تعقلون؟"

محمد البادي

في إحدى الأمسيات الرومانسية الجميلة، وفي أشهرهم الأولى للزواج، أخذ زوجته في نزهة إلى الحديقة، وأثناء سيرهما، تفاجأ الرجل -وعلى غير العادة- بأن الزوجة تمشي أمامه، تسبقه ببضع خطوات، وهذا ما لم يكن في الحسبان، بل لم يكن مألوفاً لديه، إنه أمرٌ مخالفٌ لمبادئه، فهي لا تسير بجواره بخطوات رومانسية لتمسك بيده ويمسك بيدها كباقي الأزواج، ولا تمشي خلفه على الأقل من باب الاحترام والتقدير التي تتناسب مع رجولته.

هذا السلوك غير المتوقع أثار حفيظته، فاستشاط غضباً، وشعر وكأن بركاناً يغلي بداخله، فهو تصرف غير مقبول تماماً، بل هو إهانة كبيرة في حقه، ولكن في تلك اللحظة ماذا عساه أن يفعل؟ والمكان مكتظ بالزوار؟ لا حيلة له سوى كتمان غيضه، وأن يتعامل مع الموقف بهدوء تام، فبحث سريعاً عن ذريعةٍ يقطع بسببها الأمسية والعودة فوراً إلى المنزل، وفي الطريق، وقبل أن يصلا إلى المنزل، وبعد سلسلة طويلة من التقريع والتأنيب الممزوج بصراخ هستيري، وفي لحظةٍ هوجاءٍ رمى عليها يمين الطلاق، وحلف أنها لا تبيت ليلة واحدة في بيته... يا له من سببٍ غريبٍ!!

ومن أغرب الحالات تلك التي قرَّرت إحداهن فيها إنهاء العلاقة الزوجية بسبب الواتساب، فزوجها كان يقضي ساعات طويلة في برامج التواصل الاجتماعي، إلا أنه لم يرد على رسالة الواتساب التي أرسلتها إليه، رغم أنه قام بالاطلاع عليها فعلاً، حتى إنها أظهرت الرسالة أمام القاضي كدليل على تجاهله.

وإحداهن عندما مثلت أمام القاضي، سألها عن سبب لجوئها لطلب الطلاق من زوجها رغم أنه لم يمضِ على زواجهما أشهر معدودةٍ، أجابت على الفور: لن أعيش معه يوماً واحداً، ولن أبقى في بيته ساعةً واحدةً، تصور يا حضرة القاضي أنه يتسبب دائماً في إحراجي أمام الناس، إنه لا يعرف الإمساك بالشوكة والسكين، شهر كامل أحاول إقناعه بتغيير هذه العادة السلوكية الرجعية، إلا أنه يتجاهلني دائماً، ويصر على أن يأكل بيديه بصورة مقززة جداً.

وأخرى لم يشفع لها إعدادها عشاءً فاخراً لضيوف زوجها، فبعد أن انصرف الضيوف انهال عليها توبيخاً وضرباً وشتماً، ولم تنتهِ تلك الليلة إلا وقد طلقها، والسبب أنها نسيت وضع رأس الخروف في العشاء، مما عدّهُ إنقاصاً لكرمه وكرامته، وإهانةً بالغةً أمام الضيوف.

وأخرى تواصلت مع الباحث القانوني لرفع دعوى قضائية ضد زوجها الذي منعها من الذهاب لصالون التجميل للاستعداد لإحدى المناسبات العائلية.

وإحداهن أقامت دعوى خلع ضد زوجها بسبب إدمانه مشاهدة أفلام الكرتون.

أفلا تعقلون؟

حالات غريبة وعجيبة، وأسبابٍ واهيةٍ تافهةٍ، فما هكذا تورد الإبل يا معشر الأزواج، فالزواج ليس ثوباً نلبسه متى نشاء ونخلعه متى نشاء، بل هو حبل متين ورباط مُقدّس يربط بين شخصين، أساسه المودة والتفاهم والاحترام المتبادل بينهما، وهو تاريخاً متأصلاً منذ بدء الخليقة، يوم أن اقترن سيدنا آدم بحواء ليكوّنا لبنة الزواج الأولى في تاريخ البشرية.

توقفوا عن تخيل الأحلام الوردية، ولا تتوقعوا حياة زوجية مثالية خالية من الأكدار والمنغصات، ولا ترفعوا أسقف الطموحات كثيراً، ولا تجعلوا بيوتكم كبيت العنكبوت الذي وصفه الله تعالى بأنه أوهن البيوت، ولا تقارنوا حياتكم بما يحدث في الأفلام والمسلسلات فتمثيل الحياة فيها ليس بالضرورة أن يكون شبيهاً بالواقع، فالمشاهد زائفة ولا تحاكي الحقيقة.

إن معظم الدراسات في هذا الشأن تؤكد أن أغلب حالات الطلاق تحدث في السنة الأولى من الزواج، وكلما امتدت الفترة الزمنية قلت نسبة الطلاق، فعامل الزمن كفيل بأن يكسر الحواجز بين الزوجين، وأن يؤلف بين قلبيهما ليتعوّدا على بعضهما البعض أكثر فأكثر، فالحياة الزوجية الناجحة لا تخضع لقانون نيوتن الذي ينص على أن (لكل فعل ردة فعل مساويةً لها في المقدار معاكسةً لها في الاتجاه)، فهي تحتاج إلى مزيدٍ من الصبر والتحمل،كما تحتاج إلى مزيد من التغافل وغفران الزلات، وتحتاج إلى عدم الاستعجال في اتخاذ القرارات، بل يجب أن تكون مليئة بالتنازلات ومحاولة التغلب على العقبات، فكلا الزوجين كان يعيش قبل الزواج في وسط اجتماعي له خصوصيته المتفردة بكل تفاصيلها، وهي بالتأكيد لا تشبه الوسط الاجتماعي الذي قدم منه الطرف الآخر.

وفي الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" ـ ومعنى لا يفرك: لا يبغض.

وفي وقت تتزايد فيه معدلات الطلاق داخل المجتمعات البشرية، وتتراكم معه ملفات الصراعات الأسرية داخل المحاكم الخاصة بقضاء الأسرة، سعت الكثير من الدول لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، فمثلاً أوجدت ماليزيا حلّاً عمليّا لـ"الطلاق" يتمثل في إلزام المقبلين على الزواج بالخضوع لدورات تثقيفية في مفاهيم الأسرة والعلاقات للحفاظ على الحياة الزوجية، من خلال مشروع فاعل وطموح تبنّته الدولة، يحصل بموجبه الشاب والشابة من المقبلين على الارتباط على شهادة "رخصة الزواج"، لعقد قِرَانهما، وبذلك استطاعت أن تخفض نِسَب الطلاق من 32% إلى أقل من 8% خلال السنوات العشر الأخيرة، وهذا بالتأكيد مؤشر ممتاز لنجاح هذا المشروع.

لا تقارنوا حياتكم بحياة الآخرين، فالبيوت أسرار، والظروف مختلفة، والبيئة متباينة، والحياة لا تصفوا لأحد، فالناس الذين يتظاهرون بالفرح والسعادة ويبتسمون في وجوه بعضهم في الأغلب يخفون ألماً ووجعاً لا يعلم به أحدٌ إلا الله،، فقل الحمد لله دائما ولا تقارن.

تعليق عبر الفيس بوك