ثقافة الاستثمار

 

 

فاطمة الحارثي

 

سلّة البيض مثل قديم يتداوله التُجار غالبًا في حالة المخاطرة في تجارة أو استثمار ما أو الخسارة بسبب وضع إجمالي رأس المال في صفقة واحدة؛ بين سلة البيض والاستثمار الإلكتروني يبقى الهدف واحد، عائد مادي يتمثل في النقود ومعنوي يتمثل بالسلطة واجتماعي يتمثل بالنفوذ وأحيانا إن لم يكن نادرا هدف إنساني يتمثل في خدمة الإنسان والوطن.

 

الفكر الاستثماري يختلف من شخص إلى آخر ولا يمكن الجزم أو توثيق صحة فكر عن آخر بسبب تأثير الوقت والمكان وقوة الطلب والسياسات المختلفة في التدفق والعوائد، لذلك يحتاج في الغالب المُقبل على عالم الاستثمار التدريب المكثف والقريب من السوق لتتكون لديه الصورة الكبيرة لحركة السوق من بيع وشراء.  والنظرية التي تصح اليوم بإشاعة أو قرار أو حركة اجتماعية أو سياسية أو حتى طبيعية كزلزال أو عواصف قد لا تعود ذات نفع غدا.  كما وإنّ مهارة التفاوض والتأثير في الصفقات التجارية ذات طابع مختلف حسب السوق وطبيعة المنطقة المراد التبادل التجاري فيها فسوق آسيا تختلف عن سوق أوروبا عن سوق أمريكا، لذلك نجد أنّ التخصص أمر مهم في تلك الأسواق العالمية لفهم آليات الطلب والمُستهلك وقوانين الامتثال والثقافات الفكرية والاجتماعية والاستقرار السياسي والعادات والمراسيم، فعادات تُجار الصين مثلا تختلف عن عادات تُجار فرنسا.

ودراسة تلك الأسواق والمتغيرات عبر الإحصائيات والبيانات الموثوقة المصادر وفهم سلوك المستهلك وتوجهات المنُتج أمر هام قبل إبرام أية اتفاقية ونهج استراتيجيات التبادل التجاري، فالتكنولوجيا ربطت عالم الاستثمار ببعض ليصبح عالما مصغرا يعتمد على المعلومات مما يكسبه حساسية عالية، تذبذب استقراره؛ فقرار صغير غير مدروس قد يقلب حالة السوق بين طرفة عين وانتباها؛ مثالا قريبا ما حصل لأسهم شركة هواوي الصينية، حيث تغير حالها في صبيحة مفاجئة بسبب قرار أمريكي لم يتناول أو يدرس البعد والتأثير التجاري ورد الفعل على كافة الأصعدة ليتغير الوضع مرة أخرى لأقوال يتداولها الإعلام.

إنّ بعض النوافذ التجارية هي وسيلة تحافظ على حياة الإنسان وبقائه مثل تجارة المواد الغذائية والملابس بيد أنّ التداول فيها لا يختلف كثيرًا عن أية تجارة أخرى حيث قوة الطلب وتوفر السلع في تناسب طردي مع الأسعار. لذلك لزام علينا دراسة أيديولوجيات ونظريات تلك الصفقات بشكل مكثف من أجل استدامة معدلات النمو واستقرار الأسعار.

ليس بعيدًا عن مفهوم الاستثمار الاقتصادي نجد بالأهميّة ذاتها إن لم يكن أكبر، مفهوم استثمار الكوادر الوطنية أو العاملة لتعزيز النمو والتطور لمواكبة المستجدات؛ وتعد مهارة التفاوض والتي تحتاج إلى قدرة التأثير والإقناع والحجة المعززة بالعلم المسبق للمجريات وحركة التداول المقارن للأسواق المختلفة العمود الفقري لأية مؤسسة تصبو إلى الانفتاح الاستثماري؛ علما أنّ موهبة التفاوض تصقلها التدريبات النظرية والميدانية فالتعامل مع ثقافات تختلف في جوهرها أمر يحتاج إلى الصبر والمثابرة وروح المغامرة وهذه هبات تزدهر بالعلم والتدريب والعمل الدؤوب.

يأتي مفهوم الإدارة المشتركة المبنى على إشراك الموظفين في صناعة القرار مع إبقاء المسؤول هو المعني باتخاذ القرار النهائي حديث العصر؛ ويقوم على أساس إعطاء التوسعة الذهنية أي النظر في الموضوع من عدة جوانب ووجهات نظر مختلفة، مما يمنح متخذ القرار الوعي بحيثيات بداية تنفيذ المشروع وما بعده من تبعات ليقلص مقدار الأخطار ويزيد من الوعي في آلية التطبيق وتنظيم المشكلات والاستعدادية. وسوف استطرد في مفهوم الإدارة المشتركة في مقال آخر.

 

رسالة

استطاع العلم الحديث ونظرياته الاقتصادية المختلفة إثبات أنّ التجارة ليست محصورة في الشطارة بل هي علوم ومفاهيم وتقنيات واستراتيجيات قصيرة وطويلة المدى. ويرى وارن بافيت أنّه من الجيد أن تكون لديك الجرأة لتتصرف بطريقة مغايرة، ويكرر دائما القول المأثور "يخلط الناس بين أن تكون سابقا عصرك كثيرًا، وأن تكون مخطئا".

علينا أن نحاول الخروج من فقاعة الاعتقاد والتجريب، وأن نتبنى الاقتصاد العلمي القائم على أسس علمية منظمة مغايرة للمألوف بعيدا عن الاقتصاد التقليدي القائم على الحظ والتجريب.