القوة الناعمة

 

علي بن سالم كفيتان

 

يُؤمن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- بأهمية القوة الناعمة ومدى تأثيرها في المُجتمع المحلي والدولي وتبنت السلطنة نهجاً فريدًا وفق تلك المعطيات فكسب السلطان -حفظه الله- عقول وقلوب شعبه بالمعاملة الحسنة والسُّمو فوق الخلافات فكان جلالته ينحاز لطرح المواطن على حساب المسؤول الرسمي ولذلك لم نشهد طوال نصف قرن التلويح باستخدام القوة المُفرطة بل ظلت القوة الناعمة هي ما يحكم الأمور.

فقد برز مصطلح القوى الناعمة بعد الحرب العالمية الثانية التي استخدمت فيها القوة المفرطة لحسم الحرب عبر استخدام السلاح النووي لأوَّل مرة ضد اليابان والتلويح به لمن لا يُذعن لشروط المنتصر لكنه بات غير مجدٍ اليوم للسيطرة عن نفس الدولة التي عانت من ويلاته وهي اليابان لأن الساموراي اعتمد على استخدام ما بات يُعرف بالقوة الناعمة، ونهجت ألمانيا ومن ثم الصين نفس النَّهج، فبات بطل حرب الأمس يترنح أمام ضحاياه ولا يستطيع إيقاد فتيل مدافعه الجرارة ولا أساطيله العظيمة التي تجوب البحار محملة بآلاف الطائرات بينما تخمرت رؤوسه النووية في مخازنها ولم تعد لها حاجة فأصول اللعبة قد تغيرت والشفرات الاقتصادية باتت أكثر حدة من فتك السلاح النووي.  

القوة الناعمة هي القوة الاقتصادية المجردة من السلاح والتي باتت تقلم أظافر العملاق العالمي بكل هدوء، بينما لا يملك هو سوى التلويح بأدواته القديمة منذرًا بتدمير الكون بعد أن أمَّن لنفسه ولرعاياه وأتباعه سكناً في كواكب أخرى فلكم أن تتخيلوا ذلك المُسيطر يلاحق شركة هواتف صينية فتارة يحظرها وتارة يرفع عنها الحظر بعد أن عجز عن مواكبة التطور التكنولوجي والغزو الحر للأسواق والأذواق معًا وبعد أن أصبح هاتفه صاحب التفاحة لا يروق للمستهلكين في هذا الكون، لقد آمن المنهزمون في المعركة بأنَّ التغيير الناعم أكثر فتكاً بالعدو لذلك قلبوا الطاولة مجددًا على رأس المنتصر.

من القوة الناعمة التي لا يؤمن بها الكثيرون في عالمنا العربي الرياضة والفنون والآداب فتأثيرها على المُجتمع لا يقارن بأيّ شيء آخر ولكم أن تتخيلوا فرحة الشعب العُماني عندما فاز المنتخب الوطني بكأس الخليج، فقد اجتاحت الأفراح كل ربوع البلد وصفق الصغير والكبير ورفعت الأعلام ونظمت القصائد التي تمجد الوطن والسلطان فعبر هذا الحدث الرياضي زاد النبض الوطني وارتفع الإحساس بنشوة النصر رغم أنَّ الحدث رياضي بحت قاده 24 شخصاً على ملعب كرة قدم وفي المقابل لا تحقق الأغاني والأناشيد والأحاديث الوطنية سوى نسبة منخفضة من الشعور المنشود ويأتي من يقول بأنَّ الصرف على الأنشطة الرياضية بذخ غير محمود.

وفي مثال آخر تقول الحقائق بأنَّ فوز الكاتبة العُمانية جوخة الحارثية بجائزة المان بوكر العالمية عن روايتها سيدات القمر جعل اسم عُمان الأكثر تداولاً وبحثاً على محركات البحث العالمية طوال الثلاثة أيام التي تلت الإعلان عن الجائزة، فهذا هو تأثير القوة الناعمة فلكم أن تتخيلوا كم المصروف على الترويج السياحي للبلد بينما لم تصل الرسالة لربع العدد الذي حصدته الدعاية لعُمان عقب فوز رواية الحارثية بالجائزة رغم أنَّ ترجمة الرواية تبنتها حسب المتداول في مواقع التواصل الاجتماعي جمعية الصداقة العُمانية البريطانية وليس جهات مشرفة على الآداب والثقافة والفنون في السلطنة.

بات من الأهمية بمكان إفساح المجال لتأثير القوة الناعمة في المجتمع العُماني عبر الاهتمام ببراءات الاختراع وتهيئة المناخ المناسب للتصنيع وتشجيع الإعلام الجديد والرياضة والفنون والآداب والعض بالنواجذ على نهج مولانا جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- في مجال التعامل الرحيم مع النَّاس فهذه كلها مفاتيح هامة تقود للتغيير نحو الأفضل بإذن الله.