خمس عشرة دقيقة


هالة عبادي | سوريا

لم تستطع إغماض عينيها طوال الّليل ,على الرغم مما كانت عليه من استعجالٍ للصباح.
استرسلت في أحاديث عفويّة بريئة، حاولت الترفيه بعض الشيء، مسلّيةً نفسها بانتظار لقائه.
وعندما أرسلت الشمس أوّل أشعّتها كانت تذرع الغرفة بخطوات واسعة، في هذه الّلحظة أحسّت  بالعاصفة...
ألقت نظرةً خاطفةً عليهما معاً، نظرة فيها غير القليل من الضغينة والحقد، في الحقيقة لقد أصيبت بخيبة أمل إذ مرّ ببالها طيف زوجته.
كانت قد راودتها الآمال العريضة منذ التقته أوّل مرّة، واعتقدت أن رغباتها قابلة للتحقيق، لكنها في هذه الّلحظة بالذات حرمت لذّة السّعادة التي كانت تتوق إليها طيلة بعدها عنه.
أخيراً رضخت لتوسّلاته الّتي تجاوزت العدّ وقرّرت أن تلقاه بسخاءٍ ما بعده سخاء.
ناعمةً عذبةً كما كنت قبل عشرين سنة، هذا ما حدّثت به عيناه عينيها لقد فزت بك أخيراً وأتمنّى أن يكون ذلك إلى الأبد.
ضمّها إلى صدره بانفعالٍ شديدٍ، وهمّ أن يقبّلها، لولا أنّها توسّلت إليه بإصرار فلم يجد إلا الاستسلام لتوسّلاتها والجثو أمامها على ركبتيه شاكراً تلبية رجائه بصوتٍ مبحوحٍ ولهجةٍ عاطفيّةٍ بشكلٍ مفرطٍ.
لأن قلبها أمام ضخامته الجاثية قبالة جسدها النّحيل، تأملت كتفيه العريضين وقبل أن تضع يدها عليهما في محاولةٍ للإرضاء، راودتها فكرةٌ سريعةٌ ما جدوى مثل هذه الأكتاف إن لم يعد لديها رغبة بالاستناد، لكنّه خطف يدها الممتدّة بحذرٍ وقبّلها فصممت في قرارة نفسها أن تتركها له عن طيب خاطرٍ بينما جالت عيناها بصمتٍ وسكينةٍ في المكان.
وماهي إلّا لحظات معدودة حتّى استعادت رباطة جأشها وسحبت بخشوع يدها من بين يديه واسترخت على أقرب أريكة.
دائماً تتأملني بنشوةٍ، وغالباً ما يخطر ببالي أن أسألك لماذا لا توجد شريعةٌ تبيح ما نحن عليه؟
كلّ النّاس يوافقون على إطراء الحبّ، وأثره في القلب، لكن لا أحد يحاول تطبيق قوانين الحبّ على نفسه .
غالبٌ هو، والمحبّ دوماً مغلوب، يخرجه بسيطرته عن حدود التعقّل والفطنة، هذا واضحٌ كنور الشّمس لكلّ أولئك الّذين يعايشون الحبّ عن قربٍ "كما يحدث معنا" .
أمسك يدها بكلتا يديه وأغمض عينيه واستسلم لهذا الشّعور الجّميل الّذي غمره وهو يسمع صوتها.
أخذ يعدو بخياله بكلّ قواه مجتازاً كلّ ما يحيط به، أخذ قلبه يضرب بقوّةٍ، تملكها إحساسٌ بالرّهبة أمام ما كان يمرّ به، وساورها شعورٌ بالحزن على حياته، فتجاهلت كل ما يحيط بهما وضمته إلى صدرها، أصيب بالدهشة وهو يرتمي بأحضان هذا الجمال الساحر، وشعر بالامتنان العظيم أمام سخائها، وقد كان قلبه مأخوذاً بها، فأقنع نفسه بأنّ هذا القليل منها أفضل من امتلاك الكون بأسره .
انهمرت الدموع من عينيها وهو يردّد بنشوةٍ غامرةٍ ونبرةٍ مؤثرةٍ كلماتٍ كانت ترددها من قبل ...
وهمّت بالانصراف .
فرشقها بنظرةٍ قاسيةٍ عديمة الرحمة وقال بانفعالٍ ظاهرٍ: لست حقوداً لكنّي لن أنس ما فعلت من قبل، كنت دائماً حريصةً على استدراجي لتقديم كلّ ما  لديّ حتّى آخر لحظة، لم لا تعيشين السّعادة ولا تتركين لغيرك فرصة الاستمتاع بها .
 بادلته النّظرة بأسفٍ قائلةً: مرةً أخرى أنا أسامحك لكني استأذنك بالانصراف.
حدّق بالأرض ثمّ رفع بصره إليها ثمّ قال بنبرةٍ هادئةٍ:
ــ أمامك خمسة أيّام لاتخاذ قرار بشأن ما سيكون بيننا .
ــ غاضبٌ أنت أشدّ الغضب .
ــ بل إنّي هادئٌ كلّ الهدوء ولا أرى من داع للغضب، أنت بحاجةٍ لإيمانٍ صادقٍ حتىّ تثقي بأقوالي .
لم تجرؤ على مجابهة شخصيّته الفذّة وقد ساورها الخوف والخشية، ردّدت في داخلها: لن أهبك الوعد الّذي تريد، ورّدت على غضبه الهادئ بابتسامةٍ عريضةٍ سمحاء لا أكثر.

 

تعليق عبر الفيس بوك