مجتمع الأحلام

 

ربا جمال الشنفرية

نضحك معاً بقلوبٍ وردية لا تلوثها أية شوائب، نتبادل أطراف الحديث بدون رسائل مبطنة ولا نظرات كالإبر تنغرز في الأحشاء، لطالما أردنا أن يتمنى كل واحد منا للآخر الخير من صميم قلبه، ولطالما تمنينا أن تتوقف تلك الأحساد والنوايا القذرة.

نسعى إلى الوقوف على قمم الكمال ونحن لا زلنا إلى الآن نخوض في تلك الجدالات التي لافائدة منها فيرى كل منا أن رأيه هو الصواب، فتتعدى بساطة الحوار إلى كراهية وبغض بسبب اختلافاتٍ طفيفةٍ في وجهات النظر.

تبدو الفضائح والرذائل متعة لا تنتهي وتعج المجالس والمجموعات بكل الأخبار التي تفوح رائحتها لحماً ميتًا، لحوم الأشخاص الذين يتم تناول قصصهم بتهويلٍ بشع من دون علمهم.

تتأمل أن يلتمس صديقك الأعذار لك إن تخلفت عن لقائه ولكنك بالمقابل عندما يقوم بالمثل تبدأ بالوسوسة والاعتقاد بأنه يتعمد ألا يأتي.

تفتح حسابات على مواقع السوشل ميديا للمتعة وتقضية وقت الفراغ، تضع صوراً وتعليقات مختلفة وتظن بأن محتواك فقط هو المميز، وعندما تتابع حسابات الآخرين تنتقد المحتوى ولا يستوعب عقلك المتجمد أنك أنت وهم معاً في كفةٍ واحدة!

المجتمع الذي نتمناه هو ذاك المجتمع الذي يخاف أفراده على مشاعر بعضهم فلا يجرحونها ولا يتعدون على خصوصيات الآخرين ولا يختلقون الشائعات ويحسنون الظن ويحبون لبعضهم الجميل ويدعون للآخرين من خلفهم بكل الخير.

مجتمع الأحلام سيُبنى فقط إن قررت أنت أن تبدأ بنفسك أولاً لأن من يحبونك سيقتدون بأخلاقك لاحقاً فيقتدي بهم من يحبونهم أيضاً!

ما هي المضرة إن تغاضيت عن السؤال؟ فلان لماذا لم تكمل دراستك؟ لماذا لم تتوظف؟ لماذا لم تتزوج؟ متى سترزق بطفل؟ لماذا انفصلت؟

فإن كنت بالفعل تخاف على مصلحته ومشاعره في آن واحد وتريد السؤال بنيةٍ حسنة للاطمئنان فاسأل أقاربه أو أصدقائه عنه ولا تسأله هو مباشرة، وإن كنت فعلاً تحب فلانا وتتمنى له شيئاً فادعو الله أن يرزقه به، ولاتدعو له بأعلى صوتك في صالة ممتلئة بالناس للتظاهر بحبك الزائف.

الرقي ليس مظهرا ولباسا باهظ الثمن، الرقي في التعامل والأخلاق الحسنة والتغاضي عن كل ما قد يجرح الآخرين هو الرقي الحقيقي بلا تزييف أو تكلف، إن بدأت بالتكيف على أن تكون فرداً من أفراد "مجتمع الأحلام" تأكد بأن تعاملك اللطيف بحدود لن يقابل إلا بالاحترام والتقدير لأن الأخلاق الحسنة تردع الآخرين لا شعورياً عن احتقارك أو الإساءة إليك.

لذلك حتى وإن لم تستطع أن تغير المجتمع فأنت تستطيع أن تغير موضعك فيه، لأن الفرد منا يؤمن بأن أحلامه تتحقق إذاً لنحقق أحلامنا بأنفسنا، فمن يعلم قد نستفيق جميعنا يوماً من غفوة التفاهات الرخيصة ونرقى للأفضل.

تعليق عبر الفيس بوك