من إصدارات بيت الغشام

حميد البادي يرصد تاريخ عمان السياسي والتجاري في العصور الإسلامية الوسيطة

مسقط - الرؤية

يُسلِّط الدُّكتور حميد بن سعيد البادي في كتابه الصادر عن مؤسسة بيت الغشام بعنوان "تاريخ عُمان"، الضوءَ على التاريخ السياسي والتجاري لعُمان، وعلاقاتها الخارجية في العصور الإسلامية الوسيطة، خلال الفترة من عام 132هـ/749م إلى عام 600هـ/1208م، كما يكشف جانبا مهمًّا عن تأريخها السياسي والتجاري وعلاقاتها الخارجية مع شتى بقاع العالم منذ قديم الأزمنة.

ويقول المؤلف: كان لانتقال مركز الخلافة الإسلامية من دمشق إلى العراق أثر بالغ الأهمية في تحول الثقل التجاري من البحر الأحمر إلى الخليج العربي؛ فلقد سعى العباسيون بعد تقلدهم السلطة إلى بسط نفوذهم على السواحل الشرقية لجزيرة العرب، وكان هدفهم توحيد أقاليم العالم الإسلامي وتسهيل انسياب حركة التجارة العالمية وتأمين مسالكها. ومن هنا، بدأ الصراع بينهم والعُمانيين على اعتبار أن إقليم عُمان المتحكم الرئيسي في مدخل الخليج العربي "مضيق هرمز"، فشنوا سلسلة من الحملات العسكرية على عُمان بهدف السيطرة على طرق الملاحة والموانئ البحرية العُمانية.

ورغم آثار هذا الصراع، حرص العُمانيون على استقلال بلادهم وانفرادهم بسلطة سياسية فشرعوا في إقامة أول إمامة أباضية على غرار الإمامة الأباضية التي أسسها "طالب الحق" في حضرموت واليمن، والتي قضى الأمويون عليها عام 129هـ/ 746م-130هـ/747م.

وعليه، فقد حتَّمت الأوضاع الآنفة التصادم بين العُمانيين والخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية التي نجحت بادئ الأمر في السيطرة على إقليم عُمان بعد القضاء على الإمامة الإباضية الأولى، إلا أنَّ معارضة المجتمع العُماني بمختلف تشكيلاته القبلية وثورته على أحلاف العباسيين من بني الجلندى في عُمان، توج مع نهاية القرن الثاني الهجري بإعلان إقامة إمامة إباضية ثانية، لتعود للإقليم العُماني مكانته الحيوية لا سيما في الجوانب السياسية والملاحية والتجارية، وإعادة بناء الدولة، ولقد تمكَّن العُمانيون من إعادة عُمان إلى مكانتها المرموقة على ما كانت عليه قبل العهدين الأموي/العباسي لتتبوَّأ من جديد مركز الصدارة العالمية وامتدت علاقاتها إلى مراكز تجارية قريبة في الخليج العربي كالأبلة والبصرة وسيراف، ووطدت علاقاتها مع القطر اليمني ومصر وموانئ البحر الأحمر وصولاً إلى المغرب العربي، لا سيما من خلال دعاة المذهب الإباضي، أو التجار الإباضيين الذين اتَّخذوا من البصرة مركزا لانطلاقتهم، فيما وطَّدوا علاقاتهم التجارية مع الأقاليم الآسيوية الشرقية "كالهند والسند والصين" وشرق إفريقيا.

ويرى المؤلف أن الظروف والتطورات السياسية والاجتماعية التي شهدتها عُمان خصوصًا مع مطلع القرن الرابع الهجري، لا سيما صراعها مع الخلافة الإسلامية والظروف التي استجدت فيها بدخول القرامطة والبويهيين وسيطرتهم على نواح سياسية واقتصادية، إلى جانب دخول السلاجقة الذين سيطروا عليها نحو مائة وثلاثين عاما مثَّلت ذروة الأزمات التي كادت تعصف بطموحات العُمانيين الذين حاولوا الحفاظ على كيانهم السياسي والاقتصادي، فكانت بحق فترة مسير ومصير للدولة العُمانية خلال الحقبة.

ويُشير المؤلف إلى أن عُمان استقطبت حضارات قديمة منذ قرون ضاربة في القدم وهجرات عربية متلاحقة لقبائل قحطانية وعدنانية تركت مواطنها في شبه جزيرة العرب لظروف سياسية واقتصادية لتستقر في عُمان وانتشرت مضاربها إلى العراق.

وفي خِضم هذا الحراك التاريخي، يرصد الدكتور حميد بن سعيد البادي جُملة كبيرة من الإنجازات العُمانية خلال تلك الحقبة؛ من أهمها أنَّ العُمانيين نبغوا في مجالات تأليف علوم متنوعة أسهمت في بناء صرح الحضارة الإسلامية بمختلف أنماطها ومظاهرها وجوانبها؛ مثل: علوم الفقه والحساب واللغة العربية وآدابها والتاريخ والفلسفة وعلم الفلك، كما أسسوا بنية من الاستحكامات الحربية المتنوعة، علاوة على أطياف من العمارة المتنوعة كـ"العمارة العسكرية والمدنية والدينية".

ومع نهاية القرن الثالث الهجري، شهدت عُمان طورا من الصراع السياسي بين زعاماتها وقبائلها على تقاسم السلطة نتج عنه انقسام المجتمع العُماني إلى حلفين يماني سيطرَ على السلطة ونزاري نقل ولاءه إلى الخلافة العباسية في العراق، هذا الوضع عزَّز من رغبة العباسيين للتدخل في الشأن العُماني والاستيلاء على السلطة.

وفي طور الملاحة البحرية وصناعة السفن تميَّزت عُمان بأفضل ما وصل إليه الصُّناع، وكان لها الأثر في التواصل الثقافي ونشر الإسلام والتلاحم والتبادل التجاري بين الشرق والغرب؛ فلقد وحَّد العُمانيون أسلوب صناعة سفنهم مع نمط صناعة سفن مناطق المحيط، ونبغوا في كيفية التعامل مع مياه البحار وأمواجها العاتية، فيما تعامل البحار العُماني مع صنوف الأشرعة كـ"الشراع المثلث والمربع"، وهما اختراعان من صنيع البحارة أنفسهم.

أما في مجال العلوم البحرية، فقد عرف العُمانيون التعامل مع الرياح الموسمية والتيارات البحرية، ومخروا عُباب المياه الصاخبة مُتَّخذين النجوم ليلاً بمساعدة الأشرعة دليلاً على الوصول لأقصى بقاع العالم.

وفي طور العلاقات الخارجية، توصَّل الباحث إلى أن عُمان بنتْ من خلال تجارها علاقات متميزة مع مختلف أقاليم الشرق والغرب، كما أسهموا بنشر العقيدة الإسلامية السمحاء وثقافاتها مع تلك الربوع، لا سيما الهند والصين وشرق إفريقيا؛ حيث أسهموا في إقامة حضارة إسلامية راقية هناك.

تعليق عبر الفيس بوك