جمال النوفلي
قبل خمس عشرة سنة تقريبًا حينما كنت أبحث عن أي عمل أكسب منه مالاً أتاني أحد الأصدقاء ودعاني لحضور محاضرة أقيمت في مجمع زاخر كانت عن بيع سلعة استهلاكية قيمتها 10 ريالات فقط، وكانت المحاضرة لأجل إقناعنا بشراء السلعة أولاً ثم إقناعنا بفائدة الدخول في التسويق الشبكي لهذه السلعة والذي سينقلنا إلى عالم الثراء والأعمال في خلال مدة قصيرة دون أن نضطر إلى الالتحاق بوظيفة ما نقضي فيها جل عمرنا دون أن نُحقق فيها أي نجاح، كل ما علينا فعله هو شراء السلعة ثم إقناع أكبر عدد من الأصدقاء والمعارف بشراء هذا المنتج ودعوتهم أيضاً إلى الدخول في التسويق الشبكي لإقناع من معهم من أصدقاء وأقارب وهكذا دواليك.
وبعد نقاش طويل مع المُحاضر تبين لي أنَّ فكرة الثراء السريع حسابيًا ليست خاطئة لكن الشخص الوحيد الذي سيحصل على الثروة هو صاحب ومؤسس الشركة الذي يقف في قمة الهرم وأما بقية أعضاء الشبكة فهم مجرد أدوات يستغلها المؤسس لخداع أصدقائهم وأقاربهم لأجل الحصول على العشر ريالات والتي تصبح فيما بعد ملايين تصب في حسابه المصرفي مع استمرارنا في الشراء وإقناع الآخرين بالشراء، طبعًا أفراد المجتمع العُقلاء لا يُمكن أن يقتنعوا بشراء تلك السلعة التافهة بهذه القيمة، كما لا يُمكن أن يقتنعوا بأنهم سيصبحون أثرياء بهذه السهولة، لكن عندما تأتيهم الدعوة من أخ أو قريب أو صديق فعندها لا يُمكنهم إلا الانصياع للرجاء خاصة إن كان المجتمع مبذرًا، وهنا يقع الصديق في جريمة الاحتيال على صديقه، والذي قد يسعى بدوره إلى الاحتيال على أصدقائه الآخرين حتى يكون لدينا شبكة واسعة من المحتالين الضحايا..، ثم فجأة يختفي المؤسس.
خلال الأعوام الأخيرة سمعنا كثيراً عن هذا النوع من السلع التي تسوق عن طريق الشبكات التسويقية (الاحتيالية)، حتى إن بعضها كان يسوق له في المراكز التجارية على مرأى ومسمع من موظفي المؤسسات الحكومية، وكان يأتيني بعض الأصدقاء محاولين إقناعي بدخول شبكة ما، مدعين أنَّهم حققوا ثروات وأنهم أصبحوا أكثر صحة باستخدام هذه المنتجات، إلا أنني لا أقابلهم إلا بالسخرية والضحك، لأنه من الصعب إقناع شخص -تدرب على إقناع الآخرين- بأنه مغفل قد تمَّ خداعه واستخدامه كأداة تسويقية واحتيالية في أيدي المؤسسين، هل يُمكن أن يدخل غسيل الأموال في هذا النوع من المشاريع؟ بالطبع يمكن، وهل يُمكن لك أن تؤسس شركة لها سلعتها الخاصة وتسوق لها شبكياً فتكون ثروة هائلة بسرعة وجيزة؟ نعم يُمكنك ولعلك تنجو من الحبس، لأنه يصعب ضبط ومُراقبة هذا النوع من الشركات والعقوبات عليها غير مشددة، ولأنَّ الناس ما زالوا يثقون في بعضهم فيقعون في مثل هذا النصب.
آخرها أنَّ أحد الشباب من سكان المعبيلة يخبرني أنه تم النصب عليه بمبلغ يفوق الثلاثمائة ريال، عندما جاءه أصدقاؤه وأقنعوه بأنَّهم على علاقة بشخص يتاجر في الهواتف، حيث يطلب منك أن تشتري الهاتف من شركة الاتصالات باسمك عن طريق التقسيط، مقابل أن تحصل على 30 ريالا نقدا، ثم يبيعه هو في السوق بسعر أعلى، أما الفواتير الشهرية المستحقة لشركة الاتصال فسوف يقوم التاجر بسدادها مباشرة إلى الشركة، ليس هذا فحسب بل إنك كلما أحضرت أشخاصًا آخرين للدخول معه في هذا المشروع فسوف تحصل على نسبة من الربح الذي سيحصل عليه، ولأن أصدقاء هذا الشباب قد اشتروا هواتف فعلاً للتاجر من الشركة وأعطى كل واحد 30 ريالاً ودفع لهم قسطاً في نهاية الشهر الأول فقد اقتنع هو الآخر بالفكرة على أمل أن يصبح ثريًا وينسى هم البحث عن الوظيفة، إلا أنَّ التاجر بعد شهر واحد توقف عن سداد الأقساط وبدأت شركة الاتصال تطالبهم بسداد فاتورة الهاتف، وحين لجؤوا إلى المحكمة الجزائية لم تتم إدانة التاجر، بل الأدهى من ذلك هو أنَّ هناك عددا غفيرا جدا من الفتيات والشباب واليافعين الذين وقعوا ضحية هذه الشبكة.
شيء مؤسف أليس كذلك، لأجل ذلك نحن نكتب لكم هذه التجارب الحية، ولأجل أن تحذروا أصدقاءكم وأقاربكم أيضًا والأجيال الناشئة التي ما زالت لا تتوقع أن تأتي المصائب الكبيرة عن طريق أصدقائهم الثقاة أو أقاربهم المحببين سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد.