علي بن سالم كفيتان بيت سعيد
من المُؤسف قيام جمعية البيئة العُمانية بقفل مكتبها في مُحافظة ظفار بشكل فجائي بعد أن مضى على افتتاحه ما يربو على خمس سنوات نتيجة للأهمية البيئية لهذه المحافظة التي تستحوذ على النصيب الأكبر من التنوع الأحيائي في السلطنة، وأذكر أنني كنت حاضراً حفل الافتتاح الذي رعاه سعادة الشيخ رئيس البلدية ودعمته مجموعة نماء فتولد لدينا شعور عميق بوجود مؤسسة أهلية يُمكنها أن تدعم سياسات الحفاظ على البيئة بمُحافظة ظفار.
وفي الحقيقة كنت أشارك مندوبي فرع الجمعية في الاجتماعات واللقاءات الرسمية بحكم عملي في مؤسسة بيئية رسمية فكان لآرائهم ومقترحاتهم عظيم الأثر في كبح الكثير من القرارات غير المدروسة بدعم مباشر من صاحب السمو الرئيس الفخري للجمعية ومن جميع أعضاء المجلس التنفيذي الذي تترأسه السيدة تانيا بنت شبيب بن تيمور آل سعيد. وبالرغم من قلة الدعم المجتمعي إلا أن فريق ظفار الصغير كان يتفانى في عمله بصمت فكان محجاً لكل من لديه ملاحظات لتطوير العمل البيئي أو للإبلاغ عن أي انتهاك بالمحافظة وتناوب على إداراته كفاءات وطنية مخلصة، وانسحاب الجمعية اليوم من الساحة البيئية في ظفار يشكل فراغاً لا يُمكن ملؤه ويرسم علامات استفهام كبيرة يتوجب على المكتب التنفيذي تفنيدها للرأي العام.
نعلم تماماً أن المناكفات التي حدثت حول إنشاء جمعية البيئة العُمانية على ركام طلب قدمته نخب مهنية ورجال أعمال ومشايخ من محافظة ظفار ظلت ترمي بظلالها على التعاون المجتمعي مع الجمعية وفرعها الوليد ومع أي سياسة بيئية في المحافظة بما فيها التعاون مع الجانب الرسمي، فأصبح ديدن الحوار مفقوداً رغم اقتناع الجميع بالمحنة البيئية التي تعانيها المحافظة عبر فقدان آلاف الهكتارات الخضراء سنوياً لحساب استخدامات أخرى أو بقائها أراضٍ شبه جرداء تحكي آثار شد الحبل بين الطرفين الرسمي والأهلي دون التوصل لمنطقة وسطى يمكن من خلالها الحفاظ على ما تبقى من النظم البيئية النادرة المهددة بخطر الانقراض.
كنت شاهدًا طوال الأعوام الخمسة التي افتتح فيها مكتب جمعية البيئة بظفار على مدى الجهد المبذول رغم قلة الكادر وتجاهل المجتمع وتقلص الدعم المالي وتمنيت ألا تغادر الجمعية في هذا التوقيت، فالمحافظة بحاجة ماسة إلى جهودها مهما كانت صغيرة في عين البعض، إلا أننا كمختصين في الشأن البيئي نثمن عاليًا الملفات التي وضعت فيها رأيها بمهنية تامة وبحيادية قلما نجدها حتى في الجمعيات البيئية العالمية، فكانت أداة فاعلة لكبح جموح هدر الموارد الطبيعية ووقفت بكل حزم على الأقل ورقيا للإبقاء على ما تبقى، وقد لا يعلم الكثيرون عن الدراسات القيمة التي نفذتها الجمعية ومنها دراسات متعمقة عن الغطاء النباتي المهدد بخطر الانقراض ساهم فيها باحثون من المحافظة ومن خارجها.
وغير بعيد وفي ظل إغلاق مكتب جمعية البيئة بظفار المفاجئ وتسريح موظفيه نتساءل عن إمكانية إشهار جمعية المراعي والغابات بمحافظة ظفار التي ظلت حبيسة أدراج وزارة التنمية الاجتماعية رغم اكتمال الملف حسب ما يُشير القائمون عليه منذ عدة سنوات، ولدينا أمل أن يدعم معالي السيد المحافظ إعادة فتح مكتب جمعية البيئة بظفار والمساهمة في إشهار جمعية المراعي والغابات فهما بلا شك سيكونان داعماً مهنياً وأهلياً لأي مقترحات لتطوير وتنمية المحافظة.
بعد مرور ما يقارب نصف قرن على النهضة المباركة التي قادها مولانا جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- لابد من الالتفات بعناية لدعم جمعيات المجتمع المدني إذا ما أردنا نقل المجتمع بعناية من الإطار القائم إلى الإطار العصري، وفي ظل غياب هذه الجمعيات المهنية أو تأطير نطاقات عملها بحيث تصبح أقرب إلى الصورية فإن النموذج الحالي المعتمد على القرارات الارتجالية التي لا تدرس رغبات واحتياجات المجتمعات المحلية سيظل هو من يوجه خيارات المجتمع بالإنابة لعدم وجود البديل.
وقبل الختام، أود الإشارة إلى أنَّ جمعية البيئة العُمانية تم إنشاؤها في مارس عام 2004م، على يد مجموعةٍ من المهتمين من مختلف المهن والوظائف كما تم اعتمادها في عام 2009م، عضواً في الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة ومواردها.