أعلى تتويج للرواية العربية بعد "نوبل نجيب محفوظ"

"سيدات القمر" تفتح نوافذ القراءة والسؤال على الأدب العماني بعد حصد "البوكر العالمية"

 

مسقط - العمانية

ما زال فوز رواية "سيدات القمر" للأديبة جوخة الحارثية، ونسختها المترجمة "الأجرام السماوية" للمترجمة أستاذة الأدب في جامعة أوكسفورد الأمريكية مارلين بوث، بجائزة مان بوكر العالمية للرواية، يلقي بظلاله على الحوارات الثقافية في المنتديات الأدبية والصحافة الثقافية باعتبار الحارثية أول شخصية عربية تحصد هذه الجائزة، وباعتبار هذا التكريم للرواية العربية يأتي بعد أكثر من عقدين على فوز الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ بجائزة نوبل.

ورغم تباين القضايا التي يطرحها الجدل في مجمله، إلا أن أغلبه يدور حول الإنجاز والنوافذ التي يمكن لهذا الفوز أن يفتحها أمام الآخر ليقرأ الأدب العربي بشكل عام والأدب العماني بشكل خاص وهو ما طرحه الكثير من النقاد والمثقفين العرب في عشرات المقالات الصحفية والنقاشات التليفزيونية التي وجدت مناسبة جيدة لإلقاء الضوء على أن في العالم العربي أدبا يستحق الوقوف معه ليس في السياق العربي فقط بل في السياق العالمي. وتلقى جائزة مان بوكر العالمية للرواية احتراما كبيرا لدى النقاد وحلما يراود الروائيين والمترجمين على حد سواء.

وقالت رئيسة لجنة التحكيم المؤرخة الدكتورة بيتاني هيوز للصحفيين بعد إعلانها فوز "سيدات القمر" إنها ولجنة التحكيم وقعوا في حب الرواية: "قرأت الرواية ثلاث مرات وفي كل مرة أقع في حبها أكثر". وتضيف هيوز: "عندما تبدأ بقراءة الرواية يفتح أمامك عالم آخر تدور أحداثه في قرية عمانية، وهو عالم تستطيع أن تشعر فيه بالألفة وأنك مرحب بك فيه كثيرا". وتحدثت رئيسة لجنة التحكيم عن عمق الرواية وعن ثنائية الصراع: الحب والألم، وعن اللغة الشاعرية التي تتدفق من بين سطورها.

وتقول هيوز: "لم تكن عملية اختيار الرواية أمرا سهلا من بين 6 روايات لها مكانتها الإبداعية أيضا، وهي بالمناسبة، تتناول قضايا إنسانية ومكتوبة بلغة عذبة وتقنيات روائية عالية، واحتاج الأمر إلى تصويت لجنة التحكيم لتفوز هذه الرواية". وهيوز نفسها تمنت في حديثها للصحفيين أن تتم قراءة الرواية من أعداد كبيرة من جمهور القراء في العالم، وأن تفتح بابا لقراءة الأدب العربي في منطقة الخليج العربي على حد قولها.

وتدور أحداث الرواية -وفق المراجعة الرسمية التي نشرها موقع مان بوكر- في قرية "العوافي" التي قالت جوخة الحارثية في حوار صحفي أنها قرية غير موجودة في الحقيقة ولكنها تصلح لأن تكون أي قرية عمانية، حيث ثلاث شقيقات: ميا، التي تزوجت من عبد الله بعد مشاكل كثيرة، وأسماء، التي تزوجت فقط كواجب اجتماعي، وخولة، التي تنتظر حبيبها الذي هاجر إلى كندا، وتتناول الرواية مشاعر الحب والفقدان والأسرة، والعلاقات الاجتماعية، والتاريخ.

لكن هناك خمس قصص حب يمكن رصدها في الرواية وتدور الأحداث في فلكها، وتنسج جوخة الحارثية من خلالها تفاصيل مجتمع الرواية وتطرح الكثير من القضايا التي لا تبدأ بالحب ولا تنتهي بصراع التحول الاجتماعي في المجتمع العماني بشكل عام في مرحلة من مراحل التاريخ.

وتطرح الرواية قصة ميّا التي تتزوج من عبدالله ابن التاجر سليمان، رغم أنها كانت في دخيلة نفسها تحب علي بن خلف الذي سافر للدراسة ولكنه عاد بدون شهادة. ذاقت ميّا في الرواية عذابات الحب الصامت، لكنها لم تكن تملك أن تدافع عن ذلك الحب إلا بتسمية ابنتها "لندن" على اسم المدينة التي رحل إليها حبيبها وكانت على استعداد للصراع من أجل هذا الاسم.

واشتملت الرواية كذلك على قصة حب الأخت أسماء التي أحبت خالد فيما يمكن أن تكون قصة حب ناجحة وتركها تكمل دراستها وتصبح معلمة. وتطرح الرواية قصة حب الأخت الثالثة خولة التي أحبت ابن عمها ناصر ورفضت من أجله كل العرسان فيما يمكن أن تكون القصة الأكثر درامية في الرواية، وتزوجت خولة من ناصر لكنه كان زواجا سريعا حيث تركها بعد أن حصل على إرثها وعاد مرة أخرى إلى كندا حيث زوجته هناك التي سرعان ما تركته ليعود إلى خولة مرة أخرى التي ستتركه هي الأخرى. وهناك قصة حب "لندن" ابنة ميّا فيما يمكن أن يعتري الجيل الجديد من أجيال مجتمع الرواية.

وسط هذه الأحداث وهذه الصراعات العاطفية تنشأ أحداث الرواية وتنمو بشكل سلس وعبر أصوات روائية متعددة لا صوت راو واحد فقط.

وخلال ذلك كله، يحضر الواقع الاجتماعي في قرية "العوافي"، وكذلك تحضر التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلاقة المرأة بذاتها المنكسرة، وعلاقة المرأة بالمرأة والمرأة بالرجل، وعلاقتها بآبائها. وتحضر الخيبات والانكسارات الشخصية والمجتمعية في الرواية بشكل طاغ ولكن عبر بناء روائي صلب ومتين كما تحضر قدرة المرأة على التشبث بالأحلام والآمال وهي ترسم تفاصيل المشاهد الروائية عبر لغة شعرية آسرة تحضر فيها الأمثال الشعبية وتحضر فيها أشعار العرب وقصائد الحب والهيام.

لكنَّ الرواية تطرح أيضا فكرة التغيير الذي حدث بين جيل وجيل فشخصية لندن في الرواية أصرت على الزواج من رجل تعرف أنه لم يكن مقبولا لدى أهلها وهو ما لم تستطع فعله أمها ميّا حينما كتمت حبها لعلي بن خلف. والرواية مليئة بالتأزمات التي ترى الكاتبة أنها تصنع الإنسان، وتلك الأزمات تختلف وتتباين بين شخصية وأخرى في الرواية فبعضها داخلي وبعضها خارجي، لكن بقي ذلك التأزم في الرواية مقبولا فنيا وغير مبالغ فيه إطلاقا وربما كان من النوع الذي يشكل جوهر الإنسان.

ولا ترى جوخة الحارثية -وهي تتحدث للصحفيين عن روايتها- أن قضايا الحب المطروحة في الرواية يجب أن تصل في النهاية إلى النجاح؛ لأن الحياة لا تكون كذلك دائما، والرواية كما تقول في حوار صحفي سابق "تنطلق من الواقع والواقع مليء بالغرابة عندما نتأمله".

وتعتبر رواية جوخة الحارثية "سيدات القمر" أول رواية عمانية تترجم للغة الإنجليزية، وسبق لهذه الرواية في نسختها العربية الأصلية ترشيحها للقائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد، وحصلت على جائزة الإنجاز الثقافي كأفضل رواية صدرت في السلطنة في مسابقة جمعية الكتاب والأدباء، كما حصلت روايتها الثالثة "نارنجة" على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عام 2016.

تعليق عبر الفيس بوك