فاطمة الحارثية
"الأسرار" عصي ومداد المُنافقين لبلوغ أقصى مُدد لإبقاء الفتن، وإثارة الناس بنشر المنتقاة من الجُمل المركبة (فبركة) وطمس المفردات التي توصل المعاني الحقيقية للوقائع والتي إن علم عنها النَّاس بكل تأكيد سيختلف موقفهم وفكرهم مما يتعارض مع أهداف المنافقين وأطماعهم.
بعذر البقاء كان الصراع أزليًا لجميع من على الأرض من مخلوقات، ولم يختلف النَّاس عن تلك المنظومة رغم تميزهم بالعقل. ولمنطقة الخليج باعٌ طويل في المعارك والحروب منذ الأزل، وهنا أثير انتباه بعض شباب الجيل الحالي إلى أن الصراع ليس حديثاً من أجل ثروات ظاهرة كالنفط، بل كان قبل النفط وقبل الإسلام وقبل العصر الجاهلي أيضًا لِمَا تتمتع به منطقة الخليج من مزايا جغرافية إستراتيجية وقوة بشرية عصامية تثير شهوة لصوص السلطة والمال والثروات في كل زمان.
معركة ذي قار، معركة أذينة، معركة زنوبيا، معركة شاول، معركة ديو وغيرها الكثير الكثير لكن يجمعها التاريخ تحت ذات الأسباب كبرهان واضح على أنَّ الناس لا يتعلمون من التاريخ وبمجرد أن يغيب عنهم ألم الصراع ومشاهد الدماء والقتل والجوع والتشرد يعودون لذات الأسى في مُحاكاة مستنسخة.
إنَّ لشبه الجزيرة العربية قيما ومكارم جمعت بين قبائلها قبل زمن الحدود العسكرية وجوازات السفر والفيز والنزاعات على أراضٍ لن يأخذها أصحاب النزاع معهم أو حتى تُستخدم لدفنهم؛ وكانت الحروب القبلية في تاريخ شبه الجزيرة من أجل الكرامة والأخلاق وليس الدين أو اللون وإن تطاول غريب على أحد أركان أرضها اجتمعت حمية أهل الجزيرة لتغسل الأغماد بحُر وقعها وثباتها. غير متجاهلين وجود أشباه زيد العبادي بكثرة في زمننا هذا وهم يضخون سمومهم في شبكات التواصل الاجتماعي وأخال أنهم بدون وعي ولا إدراك لأنهم إن كانوا ذوي عقل لما أثاروا حفيظة الناس والفتن لخدمة من قد يغتال أطفالهم ويُشرد إخوانهم ويسبي أمهاتهم ويغتصب بناتهم وزوجاتهم أمام أعينهم.
لا يحتاج الخوض في صراع البقاء إلا الجائع والباحث عن الملبس والمسكن من أجل البقاء على قيد الحياة. وما يُثار مؤخرًا لهو دليل على أنَّ ثمَّة فقراء في المناطق من حولنا تعز عليهم أنفسهم طلب الصدقة أو العمل البسيط من أجل الإبقاء على شريان الحياة وهم على استعداد لسفك الدماء من أجل الاعتقاد بدوام رخاء العيش الذي اعتادوا عليه والبذخ والإسراف؛ في تجاهل تام أو جهل أعمى بأنَّ ما يمس المنطقة سيطالهم أيضاً، فويلات الصراع لا تميز قريباً ولا بعيداً؛ وتاريخ الاستعمار والمعارك الذي شهدته دول المنطقة وغيرها من الحروب كان من أجل النزاع والسيطرة على الطريق البحري الذي يُضخم ثروات قارة أوروبا وأمريكا وشمال قارة أفريقيا على حساب هدم الحياة على أرض الجزيرة.
لم يخجل العماني قط من أداء أي عمل مهما كان بسيطاً ما دام يكفل له ولأهله المأكل والملبس الشريف فليس من سماتنا الدخيل علينا هذه الأيام التشدق بالماركات أو الزهو بالأشياء اللامعة. ولم أر إلا مؤخرا من يتجمعون ويتجمهرون من أجل الوظائف المكتبية المرفهة أو الترقيات فالعزة والعمل والاجتهاد صفات أجدادنا من كرسوا حياتهم لغرس البذل فينا والعمل غير المشروط وكنَّا دائمًا من نخلق ونوجد ونعدد مصادر رزقنا دون سؤال أحد وعلمونا ألا نستجدي أو نطلب أو نشتكي إلا لله؛ ليستغل الطامعون أشباه زيد الأمور ويثيرون حفائظ الناس ليتحول بعضهم إلى عملاء سلاح؛ وفي المُقابل يخرج علينا أحد المسؤولين بتقرير يستفز الداخل لأنّه عن ملايين الريالات المرسلة للتبرع خارجًا أما الأكثر إثارة فإحصائيات المليارات التي يتم تهجيرها سنويًا عن طريق العمالة الوافدة والأنكى من كل هذا ضبطية ملايين المسروقات في وقت النحيب عن العجز وتحديات تدني التصنيف الائتماني. أين التوازن هنا وكأننا نحن بأفواهنا وأيدينا من نقود إلى بعثرة الحال وخلق المناخ وإثارة الصراع.
إنَّ سياسة الاندفاع وطرح منغصات دون حلول لا تختلف عن "الأسرار" المفبركة لأهداف وخطط تجرب حظها في إرباك الناس وزعزعة التركيز في البناء والنهوض بالحال. فهل من مستمع عاقل قادر على أن يشرح القصد والمعنى للشفافية والمسؤولية لأولئك الممتهنين للنقد ونشر السلبية دون وعي (إن أحسنت الظن) وأثر ذلك على المدى البعيد!
نطالب ونسأل ونرفع ونتقدم بـ ... للحكومة وكأنها وعاء تُسقي وتطعم وتعلم و و و ماذا بعدها، متى تحولنا إلى اتكاليين ننتظر ولا نبادر ومنذ متى أصبحت أيدينا ممدودة للأخذ بعد أن كنّا نُعطي ونبتكر ونعمل ونبادر ونشمر سواعدنا في الداخل والخارج. من أين تعلمتم هذا!؟ 12 عاماً تنفق على الفرد في فترة دراسته ثم 4 أو 7 أعوام في مرحلة الجامعة ثم يأتي ويُطالبها بالوظيفة وبعدها يُطالبها بالترقية والتدريب ثم يطالبها بالمعونة والتقاعد؛ هذا بعض من فيض لكن مُقابل ماذا؟ تذمر واعتراض ونقد من البعض! أو استغلال للوظيفة وهدر للموارد من البعض الآخر! وبكل وضوح هؤلاء البعض وإن كانوا قلة هم أصحاب الصوت العالي.
رسالة
تحية عرفان لشدة أجدادنا علينا في توجيهنا، أدركنا العطاء قبل الأخذ والشكر والامتنان عند الهبة، وكل التقدير للكثيرين الذين يمضون قدماً نحو المجد والبناء والنهضة والآباء المخلصين في توجيه أبنائهم نحو العزة والاجتهاد والمُبادرة والكرامة والشكوى عند الابتلاء لله وحده فهو الرازق والمُعطي والمُنعم وحده لا شريك له، والمغيّر لمن أراد أن يمارس واجب إعمار الأرض وخلافة الله على الأرض. عليّ العمل والسعي وعلى الله الرزق وليس الحكومة.
"ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (53) الأنفال.