ترجمة- رنا عبد الحكيم
أكد تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن إيران لا تريد تصعيدا مع الولايات المتحدة "حتى الآن"، معللة ذلك بأن المسؤولين في طهران لا يزالون يتمسكون بسياسة "الصبر الاستراتيجي" في مواجهة التصعيد من الجانب الأمريكي.
ويقول التقرير إنه من خلال التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي، بدت إيران وكأنها تخلت عن سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي استمرت لمدة عام. ومع ذلك تظهر تصرفات إيران وتصريحاتها حتى الآن إلى استمرارها في اتباع النهج ذاته، لكن الصبر يمكن أن ينفد بسهولة.
وفي الثامن من مايو أعلنت طهران قرارها بتخفيض امتثالها لشروط الاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية عام 2015. وكانت هذه الخطوة - وهي الأولى من نوعها من جانب إيران- ردا على الضغط الأمريكي المتزايد بعد أن قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الآنسحاب الاتفاق العام الماضي.
ووفقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا تزال إيران حتى الآن تفي بالتزامها على أكمل وجه، كما امتنعت بشكل أساسي عن أي تصعيد سواء عن طريق وكلائها في المنطقة أو الانتقام من الاستفزازات الأمريكية بشكل مباشر مثل تصنيف واشنطن مؤخرا للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
وترى إيران أن الترقب وانتظار ما ستؤول إليه الأمور سيخدمها بصورة أفضل من التصعيد؛ حيث تعتقد أنها قادرة على تحمل ما تبقى من فترة ولاية ترامب على أمل أن تأتي إدارة جديدة تقوم بتعديل الاتفاق النووي أو على الأقل اتباع سياسية أقل عدوانية، كما إن الإبقاء على الاتفاق سيسمح لإيران بكسب الدعم الدولي.
لكن حسابات إيران تغيرت تماما عندما ألغت الولايات المتحدة في أواخر أبريل تمديد إعفاءات العقوبات والتي كانت تمكِّن إيران من الاستمرار في بيع بعض نفطها إلى الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا، على الرغم من الحصار الأمريكي. ومن شأن ذلك أن يتسبب في خسارة طهران لعائدات التصدير والتي من المؤكد أنها ستسفر عن مزيد من الضرر للاقتصاد الإيراني المنهار فعليا. ومما زاد الطين بلة انه في الثالث من مايو قررت الولايات المتحدة تشديد القيود على البرنامج النووي الإيراني، ولم تعد تسمح لطهران بتخزين المياه الثقيلة الزائدة المنتجة في دولة أخرى أو مبادلة اليورانيوم المخصب باليورانيوم المركز مع روسيا، والمعروف باسم "الكعكة الصفراء".
ولذا بدأ كبار المسؤولين الإيرانيين يطالبون بانسحاب إيران من الاتفاق النووي وأيضا من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والتي وقعت عليها إيران مع عدة دول عام 1968. لذلك ليس من المستغرب أن يتم دفع إيران أخيرا إلى اتخاذ خطوات فعلية أو على الأقل تغيير سياستها. ورغم كل هذا رفضت إيران التخلي عن الإطار القانوني للاتفاق.
ومن خلال بيان صادر عن المجلس الأعلى للأمن القومي (وهي مؤسسة كبرى تشمل في عضويتها صانعو القرار الرئيسيين للأمن القومي في إيران)، أكدت طهران أن ما اتخذته من إجراءات يتفق تماما مع المادتين 26 و36 من الاتفاق النووي. إذ يحق لإيران أن تتخذ انسحاب الولايات المتحدة وإعادة تطبيق العقوبات المتعلقة بالسلاح النووي ذريعة للتوقف عن التزاماتها كليا أو جزئيا.
وفي الوقت نفسه فإن وسائل طهران لوقف تعاونها محدودة للغاية، ومنها خفض الفائض من الماء الثقيل واليورانيوم منخفض التخصيب فوق الحدود المتفق عليها دون شحنها إلى الخارج. فبناء على تقييمات أولية، قد تظل إيران ضمن حدود الاتفاق على المدى القصير مما يقلل من التهديد النووي الوشيك.
وعلى الرغم من أن طهران هددت باستئناف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى ووقف الجهود التي تقودها الصين لإعادة تصميم مفاعلها النووي ذي المياه الثقيلة، فقد أعلنت عن مهلة مدتها 60 يوما لإيجاد حل مع باقي الموقعين على الاتفاق النووي. ولمزيد من التوضيح، أكد الرئيس حسن روحاني أن إنذاره النهائي لن يتم تنفيذه، إلا إذا لم تلتزم الأطراف الأخرى الموقعة بوعودها لحماية قطاعي النفط والمصارف في البلاد من العقوبات الأمريكية.
ولا تزال إيران غير مكترثة بكشف خطة العمل المشتركة الشاملة، إنها تريد فقط أن توضح أن الوضع الراهن- والذي تتحمل فيه البلاد أقصى قدر من الضغط دون أي فائدة ملموسة مقابل ذلك- غير قابل للاستمرار. وحتى الموعد النهائي المحدد بـ60 يوما، فمن المرجح أن تختبر طهران ما إذا كان الترقب لا يزال يستحق الاستمرار فيه مع التوقف عن التصعيد أم لا.
وبحسب تقرير المجلة، فقد تستمر التوترات في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة، كما يتضح من "الهجوم التخريبي الإيراني"- على حد وصف التقرير- لأربع سفن تجارية قبالة ساحل الإمارات مباشرة. ومع ذلك، وعلى غرار ما حدث خلال العام الماضي، فمن غير المرجح أن يكون التصعيد استراتيجية تسعى إليها إيران مسبقا لكنها نتاج حوادث أو سوء تقدير.
وتنبؤ ما ستؤول إليه الأحداث مرهون بحلول الموعد النهائي في السابع من يوليو المقبل، (موعد نهاية المهلة الإيرانية) وما إذا كانت طهران تعتقد أنها قادرة على تحقيق المزيد من المكاسب، إضافة إلى قدرة الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق على منح طهران منافع غير سياسية في مقابل ضمان بقائها في الاتفاق. ولن يكون الأمر سهلا، لكن يتعين على أوروبا إحراز تقدم سريع في تشغيل الآلية التجارية التي طورتها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لتسهيل التجارة المشروعة مع إيران دون فرض عقوبات أمريكية، والمعروفة باسم "إنستكس"، فضلا عن إيجاد طرق لبيع النفط الإيراني. وبعد إعلان إيران، جددت العواصم الأوروبية التزاماتها بالحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني والحصول على "انستكس" وتشغيلها قريبا. ولم يتضح بعد ما إذا كانت تلك الدول ستبذل أي جهود لمعالجة معضلة مبيعات النفط.
ومن الصعب تخيل تغيير جوهر السياسة الأمريكية تجاه إيران، لكن بعض دوائر الحكم في إيران لا تزال تتحلى ببصيص من الأمل؛ حيث أشار مسؤولون منهم محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى استعداد بلاده للعمل مع ترامب. ففي 24 أبريل أي بعد أيام قليلة من إلغاء إعفاءات النفط، عرض ظريف التفاوض على تبادل سجناء مع الولايات المتحدة، وأكد أن الرئيس الأمريكي على عكس الآخرين في إدارته يبدو حريصا على التحدث مع طهران. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن ترامب نفسه منفتح على إمكانية إجراء محادثات مباشرة مع طهران للتوصل إلى ما يصفها بـ"صفقة عادلة". وعلى الرغم من عدم احتمالية تغيير السياسة الأمريكية بالكامل تجاه طهران في غضون شهرين فقط، إلا أن صدور أية إشارة بناءة ستحفز إيران على التمسك بالصبر الاستراتيجي لفترة أطول.
وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، ستقرر إيران ما إذا كانت استراتيجيتها الحالية لا تزال تخدم غرضها، أم غير ذلك، وستلجأ للتصعيد الإقليمي والذي ربما يتناسب بشكل أفضل مع مصالح الأمن القومي لديها. وفي ظل اقتراب الأمور لحافة الهاوية، يتعين على جميع الأطراف المعنية إجراء تقييم دقيق للتكاليف والعواقب المحتملة للمسار الأخير على إيران والمنطقة، وفي نهاية المطاف، على العالم.