أكدوا أنها تضر بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتُضعِف تنافسيتها

مختصون: تعدد السجلات التجارية خطر اقتصادي واجتماعي.. ولا بديل عن تشريعات رادعة للمخالفين

...
...
...
...

 

◄ العنسي: "تنظيم سوق العمل" بالغرفة تكثف الجهد مع الجهات المعنية للحد من الظاهرة

◄ المقبالي: أصحاب السجلات الوهمية يستهدفون تحقيق ربح سريع عبر بيع المأذونيات

◄ الحاتمي: شركات كبرى تنشئ سجلات تجارية للتهرب الضريبي ومنافسة "الصغيرة والمتوسطة"

 

أَجْمَع مُختصُّون وقانونيون على أنَّ تعدد السجلات التجارية لدى فرد واحد يُمثِّل ظاهرة سلبية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي؛ حيث إنها تتسبَّب في زيادة أعداد العمالة غير القانونية (السائبة)، والتي قد تتجه للعمل في أي مجال دون علم السلطات المعنية؛ الأمر الذي ينذر بمخاطر عديدة اقتصادية واجتماعية. وقالوا إنَّ تعدد السجلات التجارية ينتُج عنه عمليات بيع للمأذونيات للعمالة الوافدة، والتي بدورها تنطلق في البلاد دون رقيب أو ضابط، وتؤثر بالسلب على الخدمات، إضافة لتحجيم تنافسية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وشدَّد الخبراء والقانونيون على ضرورة سن تشريعات رادعة بحق المخالفين من أصحاب السجلات التجارية، فضلا عن تكثيف عمليات الرقابة على العمالة السائبة، لضمان حماية الأنشطة التجارية وعدم الإضرار بأصحاب السجلات الملتزمين.

الرؤية - أحمد الجهوري

 

ودعا محمد بن حسن العنسي رئيس لجنة تنظيم سوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان، إلى تعديل وصياغة عدد من القوانين ذات الصلة بالقضية؛ بهدف تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة، ومنها الحد من العمالة السائبة وضبط سوق العمل. وقال العنسي إن الكثير من التشريعات -خاصة المتعلقة بالقطاع الاقتصادي وسوق العمل- لا تتماشى مع المرحلة الحالية في ظل التطور التكنولوجي ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة، مشيرا إلى أن عددا من القوانين الحالية صدرت قبل عقود مضت ومرت عليها فترة طويلة دون مراجعة. وأوضح العنسي أهمية دراسة هذه الظاهرة والتعرف على تفاصيلها، ومعرفة ما إذا كان السجلات التجارية المتعددة لدى شخص واحد تم إصدارها بهدف العمل بها في مشاريع مختلفة أم بهدف الحصول على مأذونيات العمل وبيعها بعد ذلك. وأكد العنسي أن لجنة تنظيم سوق العمل بالغرفة تعمل بحرص لمعالجة هذا الموضوع، نافيا أن تكون اللجنة طالبت بتقنين الأعمال، لكنها تدعو إلى وضع ضوابط وقوانين ملزمة ورادعة في نفس الوقت للحد من انتشار العمالة السائبة.

 

جرائم مجتمعية

وأشار العنسي إلى أنَّ الحكومة تولي الحرص البالغ على تسهيل إجراءات الاستثمار وفتح المشاريع التجارية في السلطنة؛ لذا أصبح من السهل استخراج السجل التجاري وفي أسرع وقت ممكن، لكن ما يحدث في الجانب الآخر أن البعض من غير الجادين في الاستثمار يستغلون ذلك في الحصول على مأذونيات العمل واستقدام عمالة وافدة، ليقوموا بعد ذلك بتسريحها مقابل مبلغ شهري دون أي يعي حجم الجرم الذي يقوم به ومدى تأثيره على المجتمع من الناحية الأمنية والاقتصادية. وأشار العنسي إلى أنَّ هناك فارقا كبيرا بين الأفراد الذين يملكون عشرات السجلات التجارية وبين الشركات التجارية الكبيرة التي تمتلك سجلات تجارية مختلفة وفي أعمال ومشاريع متنوعة؛ حيث إن النوع الأول قد يملك ما يزيد على 100 سجل تجاري، لكنها غير مفعلة، وبدون إضافة تجارية لنفسه أو للبلد، وقد يكون "عالة" على النظام الاقتصادي للسلطنة، وسببا في ظهور سلوكيات وجرائم مجتمعية نتيجة العشوائية في تنظيم سجلاته التجارية وتسريحه للعمال، في حين أن النوع الثاني يعمل على تنظيم تجارته وتحقيق قيمة اقتصادية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ويسهم في توفير فرص وظيفية للعمانيين.

وأضاف العنسي أن الدراسة التي أعدتها لجنة تنظيم سوق العمل بالغرفة أكَّدت أن العمالة السائبة تشكل خطرا على الأمن الاجتماعي، وتسهم في زيادة الجرائم بأنواعها من سرقات وتجارة وتعاطي المخدرات... وغيرها؛ حيث إنَّ البعض منهم في الأساس ربما يكونوا مجرمين في بلدانهم، لكن بطرقهم الخاصة في هذه البلدان استطاعوا أن يحصلوا على فرصة السفر للخارج.

وأكد رئيس لجنة تنظيم سوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان، أنَّ اللجنة تعمل -وبالتنسيق مع وزارة القوى العاملة- على أن تكون فرص العمل دائما للشاب العماني في المقام الأول وليس للوافد، إضافة إلى رفع عدد من المقترحات والتوصيات التي تضع الحلول لمعالجة هذه الظواهر السلبية. وقال إن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها وزارة القوى العاملة مؤخرا بشأن قضايا عمالية والمحاكمات التي جرت على خلفية ذلك، تؤكد المساعي المتواصلة للحد من ظاهرة انتشار العمالة السائبة، داعيا في الوقت نفسه أصحاب السجلات التجارية العمانيين إلى التحلي بالمسؤولية، والعمل من أجل مصلحة الوطن واقتصاده.

 

سجلات وهمية

من جهته، قال المحامي صلاح بن خليفة المقبالي: إنَّ الآونة الاخيرة شهدت زيادة أعداد السجلات التجارية والشركات الجديدة، لكن عندما يتم البحث عن مواقع بعض من هذه الشركات والوصول لعنوانها المسجل، لا يتم العثور عليه؛ الأمر الذي يكشف أن هذه السجلات والشركات وهمية، وليست مؤسسة بشكل حقيقي، ولم يتم إصدار السجل التجاري بهدف العمل وممارسة نشاط تجاري، بل أنشِئت بهدف تحقيق أغراض غير قانونية. وأضاف أن ذلك يحدث بطرق رسمية، حيث يحصل صاحب السجل التجاري على جميع التراخيص والمستندات التي تظهر وجود النشاط التجاري، لكن بعد ذلك يلغي عقد الإيجار ولا يصبح لهذه الشركة مقر، ويظل بذلك الاسم قائما بالفعل في السوق ويتم التعامل معها بالاسم التجاري المتعارف عليه، ليكون الغرض منها أعمالًا أخرى مخالفة للقانون.

وتابع المقبالي بأن ظاهرة السجلات التجارية أصبحت من الظواهر المزعجة التي انتشرت خلال السنوات الماضية، والتي للأسف لا تضيف أي قيمة للسوق من حيث توفير خدمة أو خلق فرص عمل، على الرغم من أنها تُستخرج بطرق قانونية من أوراق ومستندات، ويتم تسجيلها لدى وزارة التجارة والصناعة، ومن ثم يطالب صاحب السجل التجاري وزارة القوى العاملة بمنحه المأذونيات التي تسمح له باستقدام عمالة وافدة. ومضى قائلا: إنَّ الخطوة التالية تتمثل في قيام المواطن صاحب العمل ببيع مأذونيات العمل لبعض الوافدين من جنسيات محددة لتداولها وبيعها. وكشف أنه في بعض الأحيان يصل سعر المأذونية الواحدة إلى 1500 ريال عماني، وفي حقيقة الأمر هي مأذونية عمل لكنها وهمية، حيث يترك العامل موطنه ويتغرب على أمل أن يجد عملا مقابل مبلغ شهري متفق عليه، لكنه يُفاجأ عند وصوله بأن المأذونية هي فقط للسماح له بدخول داخل الدولة لمدة سنتين دون وجود عمل فعلي ينتظره، مضيفا أن بعض أصحاب هذه السجلات يطالبون بكفالة شهرية عن كل عامل نظير تسريحه للعمل في أماكن أخرى.

ويرى المقبالي أنَّ قانون العمل في صورته القائمة غير رادع، مطالبا وزارة القوى العاملة بتكثيف جهودها للحيلولة دون تفاقم هذه الظاهرة. وقال إنه يتعيَّن على الوزارة تنفيذ عمليات تفتيش مستمرة على كافة الأنشطة التجارية وآلية عملها وحاجتها للمأذونيات والعمال، وأنْ لا تكون عقوبة المخالف الغرامة فقط، بل لابد أن تتضمن إلغاء النشاط وحرمان صاحبه من مزاولة أي أنشطة تجارية خلال فترة محددة، وذلك لكون تلك الغرامة المفروضة على صاحب السجل هي ما يقرب من 1000 ريال عماني، والتي يدفعها صاحب النشاط من الأموال المفروضة على العامل الوافد المتروك في السوق بلا عمل. وأوضح المقبالي أن صاحب السجل في هذه الحالة لا يتكلف أي غرامات، وبالتالي لا تقع عليه عقوبة فعلية متحققة، ويظل مستفيدا وغير متضرر في جميع الأحوال، في حين أن الشخص الوحيد الذي يعاني ويتضرر هو العامل الوافد.

 

قانون السجل التجاري

وأشار المقبالي إلى أنَّ أول ما يقدم عليه بعض أصحاب هذا النوع من السجلات بعد حصولهم على جميع أهدافهم، هو إلغاء عقد الإيجار والترخيص البلدي، وذلك لكي لا تتراكم عليه مستحقات إيجار محل الشركة. ويدعو المقبالي إلى ضرورة تعاون موظفي البلدية مع الجهات المختصة الأخرى لمتابعة أصحاب تلك العقود المؤقتة، والتي تُبرم ويتم إلغاؤها في فترة قصيرة، ورفض النشاط كاملاً في حال مرور وقت على تاريخ الرغبة في إلغاء عقد ايجار النشاط وتاريخ إيجاد مكان آخر للنشاط. وأوضح أن هذا ما نصَّ عليه القانون وأوجب به ضرورة إبلاغ الجهات المختصة بأية تغييرات تطرأ على السجل التجاري، مشيرا إلى أن المادة 10 من قانون السجل التجاري رقم 3/74 نصت على أن يسجل في السجل التجاري وخلال شهر واحد من تاريخ حصول التغيير الآتي: كل تعديل أو تبديل يتعلق بأي من الأمور المسجلة أساسا، والأحكام والقرارات القاضية بحل الشركة أو إبطالها، والأحكام والقرارات المعلنة إفلاس التاجر أو المتعلقة بالإفلاس أو تلك القاضية بإنهاء حالة إفلاس أو بإعادة الاعتبار، وبيع الشركة أو التفرغ عنها أو اندماجها مع شركة أخرى.

 

التهرب من الضرائب

وقال حمود الحاتمي -رائد أعمال- إنَّ تعدُّد السجلات التجارية وسيلة للكثير من الأشخاص الذين يعملون في نفس المجال لتحقيق أرباح دون أي عمل يذكر، مضيفا أنه من خلال عمله كصاحب لأحد مكاتب سند للخدمات فإنه على اطلاع بطبيعة هذا النوع من المعاملات والتصرفات، مشيرا إلى أنها وسيلة لتفادي كثير من الإجراءات وتخطي العقبات، ومنها التهرب من الضرائب والرسوم بالنسبة للتجار الكبار. وأوضح أن التاجر يقوم بفتح أكثر من سجل تجاري وتوزيع الأعمال عليها لكي يخفف من الرسوم مرتكبا بذلك عملية تهرب ضريبي ويشتت الانتباه عن مؤسسته. وتابع أنه ليس من الضروري أن تكون كل السجلات باسمه، حيث يقوم بتوزيعها على أفراد أسرته وأقاربه، مشيرا إلى أن ذلك الفعل من أخطر الأعمال ضررا على المنظومة الاقتصادية، ولا يقتصر الضرر على تسريح العمالة الوافدة، لكن تضر بجهود دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ولا تحقق العدالة والمساواة فيما يتعلق بنسبة الـ10% المخصصة لهذه المؤسسات من جملة المشاريع الكبرى في البلاد.

وزاد الحاتمي قائلا: إنَّ بعضا من أصحاب الشركات الكبرى الشهيرة يتهربون من دعم المؤسسات والصغيرة من خلال تأسيس وفتح سجلات تجارية باسم زوجاتهم أو أبنائهم، وإدراجها في الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة"؛ باعتبارها من فئة هذه المؤسسات، وينافسون على مشاريع عديدة، فيضرون أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحقيقيين، مخلين بالتزاماتهم الموكلة إليهم في تحايل واضح على القانون، ويتسببوا في قطع الطريق على رواد الأعمال الآخرين.

وأضاف الحاتمي أنَّ الظاهرة الأخرى تتمثل في تعدد السجلات من أجل الحصول على عمالة، لكن يمكن معالجة هذه الظاهرة من خلال تسهيل الإجراءات في نقل العمالة على غرار ما يحدث في المملكة العربية السعودية كمثال على ذلك؛ حيث إنه يتم نقل العمال داخل البلد بدون مأذونية، على اعتبار أن مأذونية العمل صدرت مسبقا، مع دفع بعض الرسوم البسيطة للنقل، وبهذا يتم تسوية أوضاع كل العمال وبالطرق الرسمية وبلا تعقيدات مع تحقيق الفائدة المرجوة للجميع.

تعليق عبر الفيس بوك