الربيعي يغزل الأسطورة بإبرة الحزن


ناصر أبو عون
في المنطقة الوسطى ما بين (التشبيب والوجد) وعلى ضفتي (الشعر والشعور)، وعلى (حواف بحرٍ لجّيٍ) وفي المسافة المتوهمة ما بين (المد والجزر)، وعلى حدود التماس ما بين (الموسيقى، والرسم بالكلمات، والغناء بالفرشاة) تتصارع الأفكار، وتنثال الرؤى وتتبختر (حوريات) وتغتسل في بحر العشق من أدران المادة وتتوضأ بضوء الكلمات تحت ظلال وارفة من أشجار المعنى.
يأتي هذا الديوان ليبدأ رحلة تطواف كبرى بالقراء حول فلك القصيدة، ويرسم في سماء العقل بريشة ممزوجة في محبرة ملؤها حزن، وجوى صورا فيحاء وجنات متخيلة، ونعيم زائل ولكن يبقى أثره في العقل نورا ونارا تلمع في لهيبها الذكريات وتتراكم الصور ولكن الشاعر عبد الرزاق الربيعي نجح في ترويضها، واصطياد المتفلِّت، ومباغتة القارئ بفيض من التجارب المتجاورة معنى والمتآلفة لغةً والمتألقة خيالا.. نجح الربيعي في أن يعيد كتابة تاريخ الغزل والوجد في ديوان الشعر الحديث بكلمات معجونة بماء غير آسن من نهر الشعر، وعسل مصفى من رحيق الأزهار النابتة في هضبة القصيدة؛ يضفر الكلمات بالوجد، ويغزل الأسطورة بإبرة الحزن ليصنع للشعر ثوبًا جديدا ومغايرًا لما نقرأه على حواف الورق.
وتحن عناوين عديدة دلق الربيعي حزنه على مرآة الكون فتشظت قصائد نذكر منها: (ابتهالات، مكاشفات، جمل الثلج، السباحة في شواطئ القصور الرئاسية، البيت الاخير، طائران في خلوة، جبل في سرير،شجرة بلا اظافر، في حضرة فاطمة، وبيض اللقلق).
جدير بالذكر أن الشاعر أصدر كبيرة من الداووين والمسرحيات تقارب الخمسين إصدارا ومازال لديه من المخطوطات والرؤى التي يشتغل عليها، وكان تأثير المهنة الصحفية جليا في تضاعيف داووينه، ولغته الشعرية التي ارتكزت على (التكثيف)، والتنويع بين (النثر والتفعيلة)، والمشترك بين إبداعه على اختلاف أنواعه ثيمة (الاغتراب)، ومن أهم أعماله التي لاقت أصداء واسعة في مطلع شبابه الإبداعي نذكر هنا: (حدادا على ما تبقى، مدن تئن وذكريات تغرق، غدا تخرج الحرب للنزهة، خذ الحكمة من سيدوري، جنائز معلقة، صعودا إلى صبر أيوب، قميص مترع بالغيوم، كواكب المجموعة الشخصية، يوميات الحنين، في الثناء على ضحكتها، خرائط مملكة العين).

 

تعليق عبر الفيس بوك